بأبعاده كلها ، حتى اعتلى سليم الأول (يافوز ـ العابس) عرش السلطنة (١٥١٢ ـ ١٥٢٠ م) ، والذي يعتبره المؤرخون ، وبحق ، رجل الجبهة الشرقية ، والذي يتميّز عن والده بروحه القتالية العالية.
وخلال حكمه القصير ، ركز سليم الأول نشاطه في الشرق ، واستطاع في حملتين متتاليتين أن يضاعف مساحة أراضي السلطنة في آسيا وإفريقيا. فامتدت الإمبراطورية العثمانية في ثلاث قارات ، وأصبح البحر الأبيض المتوسط عمليا بحيرة عثمانية. ففي سنة ١٥١٤ م ، خرج سليم قاصدا شاه إسماعيل في عاصمته تبريز ، واستطاع جيش سليم «الإنكشاري» أن يهزم جيش إسماعيل «السباهي» (جيش الفرسان) ، بالاعتماد الكثيف على المدفعية والأسلحة النارية. لكن هزيمة إسماعيل لم تكن حاسمة. وعاد سليم وتظاهر بنية الخروج إلى قتال إسماعيل ثانية (١٥١٦ م) ، موجّها تهمة إلى السلطان المملوكي ، قانصوه الغوري ، بالتحالف مع إسماعيل الشيعي ، في حين هو سنّي ، مثله مثل العثمانيين. واستدرج سليم السلطان المملوكي العجوز إلى مرج دابق (شمال حلب) ، وأنزل بجيشه هزيمة ساحقة في آب / أغسطس ١٥١٦ م ، وذلك أيضا بفضل تفوق جيشه الإنكشاري ، عدة وتدريبا ، وبعد الغوري عن عاصمته ، وبالتالي طول خطوط إمداده وتموينه ، وكذلك عداء سكان بلاد الشام للمماليك.
على العكس من الصفويين ، لم يجد العثمانيون صعوبة كبيرة في القضاء على دولة المماليك. فالعسكرتارية المملوكية في هذه الفترة كانت قد فقدت روحها القتالية. وأصبحت منذ زمن أداة قمع داخلي للسكان ، وصراع في القمة بشأن السلطة. وهذه المؤسسة التي كانت لا تزال تمارس الحكم ، أضحت بلا مضمون حقيقي يتلاءم مع صورتها العسكرية. وبناء عليه ، تضافرت عدة عوامل ، ذاتية وموضوعية ، جعلت هزيمة المماليك على أيدي العثمانيين مسألة سهلة. فبغياب التحدي الخارجي بعد إنهاء الوجود الفرنجي في الشرق ، وانحسار المدّ المغولي ، تراجعت القدرات القتالية للمماليك ، أكان من ناحية العدد ، أو العدة ، وتكلست المؤسسة المملوكية على تقاليدها البالية ، من دون محاولة الإفادة من التطورات المستحدثة في العلم العسكري. وفضلا عن نضوب الموارد البشرية ، فقد تقلصت الموارد المالية ، وخصوصا بعد فقدان تجارة الهند لمصلحة أوروبا ، عندما اكتشف رأس الرجاء الصالح (١٤٩٨ م). وعلاوة على ذلك ، ظل المماليك يحبون حياة البذخ والتبذير ، ويظلمون الناس ، فأصبحوا فئة محصورة ومعزولة ، سهل على العثمانيين تدميرها.