في المقابل ، كان العثمانيون في ذروة قوتهم ، ماديا ومعنويا. فقد حافظوا على روحهم القتالية المستمدة من تراث «الغازي» ، إلى حد كبير ، عبر حروبهم المستمرة مع أوروبا وآسيا الصغرى. كما ظلت مواردهم المالية تتزايد عبر الفتوحات التي توّجها دخولهم القسطنطينية. واستعان العثمانيون بخبرات متنوعة في تطوير إدارة الدولة ، تمثلت بعدد كبير من الوزراء والموظفين الأكفاء ، الذين توافدوا على الدولة الفتية. وعندما أحسّ بنو عثمان أن نظامهم العسكري القديم القائم على مبدأ الغازي ، لم يعد يلبي حاجاتهم ، عمدوا إلى تحديثه ، أولا عبر «النظام الجديد» (يني تشري) ، ولاحقا عبر «التجنيد العام» (الدفشرمي). هذا فضلا عن بناء أسطول ضخم ، وإدخال المدفعية والأسلحة النارية بكثرة ، وتطوير المعرفة بالعلوم العسكرية. وفي قمة الهرم ، وعلى الرغم من بشاعة التقليد العثماني بقتل السلطان إخوته لدى اعتلائه العرش ، أو حبسهم في «القفص» ، فقد وفر للدولة العثمانية سلسلة من السلاطين الأكفاء والطموحين ، جعلت دولتهم القوة الأولى في عالم ذلك الزمان ، خلال فترة قصيرة نسبيا.
لم يكن في قدرة المماليك الصمود أمام العثمانيين ، ولم يهب السكان المحليون لنصرة حكم المماليك الفاسد في حربه المصيرية. وكان الموقف الشعبي العام في بلاد الشام ومصر محايدا ، وذلك لكره الناس للمماليك وخوفهم من العثمانيين ، فلم يجد سليم الأول مقاومة تذكر في بلاد الشام بعد انتصاره على قانصوه الغوري وقتله في مرج دابق. ودخل السلطان قلعة حلب ، واستولى فيها على خزينة الغوري ، كما قبض على الخليفة العباسي ، المتوكل الذي كان الغوري حمله معه إلى المعركة. ومن حلب إلى دمشق ، فدخلها سليم من دون مقاومة ، وجاءته هناك الوفود لتقديم الولاء من جميع أنحاء بلاد الشام. ومن تخلف ، أو تردد ، جرى تطويعه. وفي السنة التالية (١٥١٧ م) ، تقدم سليم ، وفي الطليعة وزيره سنان باشا إلى مصر ، فاصطدم بكتيبة من المماليك في خان يونس ، وقضى عليها ، وتابع مسيرته إلى القاهرة. وهناك ، قاتل السلطان الجديد ، طومان بي لكن من دون جدوى ، فهزم ، وهرب ، وألقي القبض عليه ، وشنق على إحدى بوابات القاهرة ، وأجهز سليم على المماليك ، وأنهى دولتهم.
وفي طريق عودته من مصر إلى إستنبول خريف سنة ١٥١٧ م ، عرج سليم الأول على القدس. وكان يحمل معه الخليفة العباسي ، المتوكل. ولدى عودته اتهم سليم الخليفة باختلاس الأموال وأودعه السجن. وفي رواية عثمانية ، هناك شك في صدقيتها ، أن المتوكل تخلى عن الخلافة لمصلحة سليم. لكن العثمانيين لم يستعملوا اللقب بصورة رسمية حتى معاهدة كوتشوك كاينرجي (١٧٧٤ م) ، التي أنهت