حربا مع روسيا. وبموت سليم ، تولى السلطنة من بعده ابنه سليمان (١٥٢٠ ـ ١٥٦٦ م) ، الملقب «قانوني» ، نظرا إلى القوانين التي أصدرها في شؤون تنظيم الدولة ، والتي عمل على صوغها وتصنيفها إبراهيم الحلبي. وفي أيام سليمان ، بلغت الإمبراطورية العثمانية ذروة اتساعها وازدهارها. فقد امتدت على ثلاث قارات ، وورثت الخلافة العباسية والإمبراطورية البيزنطية على حد سواء ، وأصبحت «إسطمبول» ، بعد دمشق وبغداد والقاهرة ، مركز العالم الإسلامي. ولكن في هذه الفترة بالذات ، ومع اكتشاف أميركا ورأس الرجال الصالح ، وبداية النهضة الأوروبية ، راح مركز القوة الكوني يتحول إلى الغرب ، وراح الشرق يتراجع إلى الوراء.
وعلى العموم ، لم تلق القوات العثمانية مقاومة تذكر في زحفها على مصر ، عبر بلاد الشام وفلسطين. فنيابة صفد استسلمت للسلطان سليم وهو لا يزال في دمشق ، ولحقت بها نيابتا القدس وغزة. والتحركات التي قام بها بعض مشايخ البدو والزعماء المحليين ، بهدف تحسين أوضاعهم ، سحقت بسهولة ، كما حدث في نابلس ، حيث ثار أحد أمرائها على السلطان سليم عندما عزله. وبداية تبعت فلسطين ولاية الشام (شام شريف). وكان العثمانيون قد قسموا بلاد الشام إلى ثلاث ولايات : الشام وحلب وطرابلس. وجعلوا فلسطين أربعة ألوية ـ «سناجق» (جمع سنجق) ـ وهي : صفد ونابلس والقدس وغزة. وفي كل لواء (سنجق) عدد من الأقضية ـ «نواح» (جمع ناحية). فضم لواء صفد النواحي : صفد والشقيف وتبنين وصور وعكا وطبرية. ولواء نابلس ضم : جبل شامي (عيبال) وجبل قبلي (جرزيم) والقاقون وبني صعب وأحيانا اللجون. ولواء القدس ضم القدس والخليل. ولواء غزة ضم غزة والرملة واللد. وعلى العموم ترك العثمانيون على رأس هذه التقسيمات الإدارية أمراء وحكاما محليين ، الذين أقسموا الولاء للسلطان العثماني ، وتعهدوا بحفظ الأمن وجباية الضرائب وتسليمها لممثلي الدولة.
لكن خضوع سكان بلاد الشام للسلطان العثماني لم يكن يعني الاستكانة التامة للحكم الجديد. فهذا الحكم لم يغير الأوضاع كثيرا ، وخصوصا الاقتصادية. كما أن الحكام والزعماء المحليين ، الذين تعودوا على سلطة المماليك «المنفلشة» في أيامها الأخيرة ، لم تعجبهم قبضة العثمانيين القوية. فانتهزوا فرصة موت سليم الأول ، وصدور التنظيمات الإدارية الصارمة التي أصدرها سليمان القانوني ، وتمردوا على الباب العالي (دار السلطنة). وقام بأول تمرد والي دمشق ، الغزالي وهو من المماليك الذين قاتلوا سليم الأول ، ثم التحقوا به ، فكافأه السلطان بولاية بلاد الشام. ورأى هذا الفرصة ملائمة لرفع نير العثمانيين عن كاهله ، مستفيدا من حالة التذمر العامة بين