الناس لسوء أحوالهم الاقتصادية ، وانضم إليه حاكما صفد والقدس. وبعد قمع التمرد ، وقتل الغزالي ، أحكم العثمانيون قبضتهم على الولايات وحكامها ، وراحوا يستبدلون الزعماء المحليين بآخرين عثمانيين ، وبالتالي رفدهم بحاميات عسكرية (سباهي) ، لحفظ الأمن وجباية الضرائب.
وبعد قمع هذا التمرد ، ساد الهدوء في البلاد ، وتمّ ضبط الأمن على الطرقات ، وخصوصا «طريق الحج». وجرى تنظيم الإدارة العسكرية والمدنية بالصيغة التي وضعها سليمان القانوني. وقسمت الأراضي إلى إقطاعات عسكرية. وأصحاب هذه الإقطاعات ، بحسب حجمها ودخلها ، كانوا ملزمين بتجنيد عدد معين من الفرسان (السباهي) ، للأمن وجباية الضرائب في الأحوال العادية ، وللالتحاق بجيش السلطان عند الحرب. وللسباهية في كل إقليم «علم» (لواء ـ سنجق) يجمعهم. وهم يخرجون إلى الحرب بقيادة «السنجقدار» (حامل اللواء) ، أو «أمير اللواء» ، الذي يعين بقرار من السلطان. والعلامة المميّزة له «الصولجان» ، الذي على رأسه كرة ذهبية ، وتحتها ذيل حصان. وخلال العقد الأول بعد احتلال البلاد ، استكمل العثمانيون ، في أيام سليمان القانوني ، التنظيم الإداري ـ العسكري للمناطق المحتلة. وقد أقرّ دستور ولاية الشام ، ومن ضمنها فلسطين ، في «القانونامة» ، الذي أصدره سليمان (١٥٤٨ م).
وانعكست التنظيمات الإدارية والعسكرية والأمنية التي وضعها سليمان القانوني ، إيجابا على بلاد الشام ، بعد الفوضى التي سادت فيها خلال المرحلة الأخيرة من حكم المماليك ، وامتدت إلى السنوات الأولى من الاحتلال العثماني. وتفيد الإحصاءات المتوفرة من العقد الأول للحكم العثماني ، أن عدد سكان فلسطين تضاعف ، ووصل نحو ٠٠٠ ، ٣٠٠ نسمة. وقد توزع ربع هؤلاء تقريبا على ست مدن ، هي : القدس والخليل وغزة والرملة ونابلس وصفد. أمّا بقية السكان فتوزعت على الريف ، سواء في القرى الزراعية ، أو مضارب البدو. ونتيجة الاستقرار ، وانتظام الإدارة وثبوت الأنظمة ، تحسن الإنتاج الزراعي ، النباتي والحيواني ، وتطورت بعض الصناعات الزراعية والحرفية. وكذلك ، نتيجة استتباب الأمن على الطرق ، تحركت التجارة ، ونشطت حركة الحج إلى الأماكن المقدسة. ولكن هذا كله لم يعمّر طويلا.
فعلى الرغم من الدستور (القانونامة) الذي أصدره سليمان ، والذي تناول تنظيم مجمل نواحي الحياة والحكم والتقسيمات الإدارية والمالية في الإمبراطورية المترامية الأطراف ، فإنه بعد موته ، راحت الأمور تتخذ منحى التراجع. لقد أصاب السلطنة العثمانية ما أصاب سابقاتها من الإمبراطوريات العسكرية ، المتعددة الأعراق والواسعة الأرجاء ، حيث عوامل الفرقة كانت أكبر من عناصر الوحدة. ولأسباب ذاتية