ابنه عبد المجيد مكانه ، صدر «فرمان التنظيمات» الشهير باسم «خط شريف جولخانه». وكان ذلك بعد هزيمة الجيش العثماني على يد إبراهيم باشا ، وتدخل الدول الأوروبية لفرض الانسحاب على الجيش المصري. وكان هذا الفرمان يهدف إلى انتشال السلطنة من أوضاعها المتردية والحفاظ على تماسكها ، من جهة ، واكتساب عطف الدول الأوروبية ، عبر نشر المساواة بين شعوب السلطنة ، من جهة أخرى. وقد تضمن الفرمان إصلاحات في ثلاث نواح أساسية : ١) إدارة الدولة وتحديث جهاز الحكومة ؛ ٢) تحسين أحوال رعايا السلطان ؛ ٣) تسوية أوضاع المواطنين غير المسلمين في أراضي السلطنة. وإذ أعلن الفرمان عزم الحكومة على صيانة أمن المواطنين ، وحماية أرواحهم وممتلكاتهم وكرامتهم ، وتوخي العدالة في فرض الضرائب والتجنيد ، فقد تطرق إلى الإجراءات الإدارية الجديدة وتطوير جهاز الدولة. لكن التركيز كان على مساواة المواطنين جميعهم أمام القانون ، الأمر الذي يعني التخلي عن الشريعة الإسلامية كأساس للتشريع وللقضاء. وتوالى بعد هذا الفرمان صدور قوانين متعددة : الجنائي والتجاري وملكية الأرض ... إلخ.
لكن هذه الإصلاحات قوبلت بمعارضة شديدة من قبل الأوساط التقليدية والمحافظة في السلطنة ، وخصوصا في العاصمة. وكان تطبيق هذه الإصلاحات ينطوي على صراعات في إستنبول ، ولذلك تعرقل تنفيذها. ومرة أخرى كانت الأولوية للولايات الأوروبية وآسيا الصغرى ، فتأخرت في بلاد الشام. وزاد في تعقيد الأمور توالي الأزمات الاقتصادية والمالية التي انتابت السلطنة ، وبالتالي تزايد تدخل دول أوروبا في شؤونها الداخلية ، الأمر الذي زاد في حدة ردات فعل الأوساط المحافظة ضد التنظيمات ، ذات الطابع الغربي. وفي الواقع ، جرّت تلك التنظيمات أعمال عنف ضد الأقليات الدينية (دمشق ولبنان ١٨٦٠ م) ، كما حفزت محاولات على اغتيال السلطان عبد المجيد نفسه. واضطرب حبل الأمن في العاصمة ، عبر مؤامرات شارك فيها ضباط كبار في الجيش بالتحالف مع العلماء. وما كادت السلطنة تخرج من موجة الاضطراب حتى مات السلطان عبد المجيد (١٨٦١ م) ، وتولى مكانه أخوه عبد العزيز ، الذي عرف بعناده ومزاجه المتقلب وعدائه للإصلاحات. فتوقفت التنظيمات ، وتردت الأوضاع في السلطنة عامة ، وخصوصا نتيجة ردات فعل دول أوروبا الدائبة على إبطالها.
فبعد الانسحاب المصري ، عادت بلاد الشام إلى الحكم العثماني بفضل تدخل الدول الأوروبية ، وفي مقدمتها بريطانيا. وبقدر تأثيرها في فرض الانسحاب على محمد علي ، وإلزامه بالانسحاب إلى مصر ، وبالتالي إعادة الوضع في بلاد الشام إلى