حاكما قديرا ، يعقوب باشا الذي استطاع إخضاع المنطقة للحكومة المركزية في القدس.
وكان سكان جبل الخليل أيضا بؤرة تمرد على السلطة المركزية ، وساحة احتراب بين العشائر المحلية. وقد برز فيها عبد الرحمن عمرو ، في قرية دورا. وعلى عكس مصطفى أبو غوش ، قاوم عبد الرحمن عمرو إبراهيم باشا ، وكان من أول المتمردين على حكمه (١٨٣٤ م). وقبل الانسحاب المصري من بلاد الشام ، وبتحريض من الإنكليز ودعمهم ، عاد عبد الرحمن وأعلن الثورة على الحكم المصري ، وقتل حاكم الخليل المصري وحاشيته. ولدى عودة العثمانيين ، عيّن «محصّلا» (جابي ضرائب) في المنطقة ، لكنه سرعان ما تمرد عليهم ، وأعلن استقلاله عنهم ، ورفض دفع الضرائب المستحقة عليه. فوجه قبرصلي ، حاكم القدس ، جيشا تركيا ضده ، وحاصره في الخليل ، وقبض عليه ، مع أخيه ومنافسه في الزعامة محمد عمرو وأبعده عن المنطقة ، لكنه عاد إليها بعد استدعاء قبرصلي إلى إستنبول ، وأعلن العصيان مرة أخرى. وقد تكرر ذلك عده مرات ، وحتى عندما حوصر في إذنا (قضاء الخليل) ، واستسلم من معه ، فإنه هرب ، وعاد مرة أخرى ، وعيّن (١٨٥٨ م) «ناظرا» لقضاء الخليل ، وأخيرا قبض عليه (١٨٥٩ م) وسجن ، ووضعت منطقته تحت الحكم العسكري العثماني.
ومن المشكلات الكبيرة التي واجهت الحكم العثماني في بلاد الشام ، كانت القبائل البدوية وسلوكها المعادي للحكم المركزي ، أو لحياة الاستقرار والزراعة ، وسطوها على طرق التجارة ، واقتتالها الدائم بين بعضها البعض. وهذه المسألة بالنسبة إلى فلسطين قديمة قدم التاريخ ، إذ هي تحاذي ثلاث صحارى كبيرة ، ظلت طوال التاريخ مجال ترحال قبائل بدوية ـ سيناء والجزيرة العربية والبادية السورية. ومن هذه الصحارى جميعا ، ظلت موجات القبائل البدوية تضغط على حدود الأرض المعمورة فيها ، وتحاول التغلغل داخلها ، أو فرض السيادة على سكانها ، أو غزوها ونهبها ، واستباحة حقولها كمراعي لقطعانها من الجمال والمواشي ، وبالنتيجة تخريبها. ومنذ الاحتلال العثماني لبلاد الشام (١٥١٧ م) ، لم تستطع السلطة فرض هيبتها على القبائل البدوية ، سواء لأن بلاد الشام لم تتمتع بأهمية كبيرة في نظر العثمانيين ، أو لأنها لم تملك القوة العسكرية الكافية في بلاد الشام لمحاربة تلك القبائل القوية وإخضاعها. وعلى العكس ، عمدت السلطة العثمانية ، التي أولت أهمية خاصة لقافلة الحج السنوية ، إلى دفع الرشاوى لمشايخ القبائل الضاربة على تلك الطريق ، لحماية القافلة ، أو على الأقل لعدم الاعتداء عليها.