الخارجية عليه ، يؤدي إلى الاستنتاج أن الفكرة القائمة وراء إنشاء الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي ، هي أن يشكّل مركزا إقليميا مضادا للحركة القومية العربية ، يتخذ شكل «الثكنة» الاستيطانية ، ويكون قاعدة متقدمة لخدمة المصالح الإمبريالية في مواجهة حركة شعوب المنطقة. وبذلك تكون «القاعدة» الاستيطانية الصهيونية مكملة في دورها الوظيفي للمهمات التي أنيطت بالقواعد العسكرية ، متعددة الأنواع والصيغ ، التي أقيمت على امتداد الوطن العربي ، وعلى طول الطرق المؤدية إليه. وهذا الدور الوظيفي للمشروع الصهيوني هو مبرر وجوده ، على الأقل من وجهة نظر المراكز الإمبريالية التي رعته ، وجعلت تجسيده واقعا على الأرض ممكنا ، وبالتالي فهو الأساس في صوغ هذا المشروع وكينونته.
وإذا كان هذا هو الجوهر في المشروع الصهيوني ، فمن الطبيعي أن يكون مجال نشاطه في أدائه لدوره الوظيفي خارج حدود استيطانه. فالثكنة ، التي هي امتداد للمركز ، ترمي إلى إقامة قاعدة آمنة لآلة عسكرية ، يكون دورها العدواني في محيطها. والحركة القومية العربية ، النقيض الأساسي للمشروع الإمبريالي في المنطقة ، وبناء عليه ، المستهدفة للضرب والتطويع ، لم يكن مركزها في فلسطين ، وإنما في العواصم العربية الكبيرة. ومن هنا ، فالتصدي لها لا يتم داخل الرقعة الاستيطانية ، ولا عند حدودها فحسب ، بل يتعدى ذلك إلى تلك العواصم ذاتها ، حيث يجري التعبير عن حركة الجماهير المكافحة من أجل أهدافها القومية. وبناء عليه ، يكون دور «الثكنة» (المركز الإقليمي المضاد) ، وبصور متعددة : أيديولوجية واقتصادية وسياسية وعسكرية ، المساهمة في عملية التحكم في المسارات السياسية في تلك العواصم. ومن هنا ، يبرز المبرّر الأساسي لإقامة المشروع الصهيوني ، وجعل فلسطين قاعدة آمنة له بالاستيطان ، وبالتالي تهويد فلسطين ـ الأرض والشعب والسوق ـ هو قيام هذا المشروع بدور في التصدي للحركة القومية العربية وإحباط نضالها ضد الاستعمار ومصالحه في المنطقة.
وفي إطار المسألة الشرقية ، كانت المراكز الإمبريالية تعي أن مشاريعها تصطدم بالمصالح الحيوية للأمة العربية. وبناء عليه ، كان لا بدّ من أن تبرمج عملها ، وتضع خططها ، وتبني أدواتها اللازمة ، لإحباط نضال الحركة القومية العربية ، المعبرة عن مصالح جماهير الأمة في الاستقلال والوحدة والتقدم الاجتماعي. ومن هنا ، رعت تلك المراكز ، وكل منها في حينه ، المشروع الصهيوني بعناية ، ليشكل القاعدة المتقدمة في عملية التصدي لنضال الحركة القومية العربية ، وإحباطه. ولو لا هذه الرعاية ، لما قام المشروع الصهيوني ، بل لعله ما كان تبلور كفكرة أصلا ، إذ لا يمكن