من عروبتها. وكان نوردو ، بعد إعلان مجلس الحلفاء قرار انتداب بريطانيا على فلسطين سنة ١٩٢٠ م ، دعا إلى تكفير كل سياسي صهيوني يرضى بما هو أقل من دولة يهودية ، انطلاقا من الاقتناع بضرورة انتهاز الفرصة المواتية لإقامتها بأسرع ما يمكن. وطرح نوردو مشروعا بتهجير نصف مليون يهودي إلى فلسطين فورا ، «بغية تحقيق الاستيلاء السلمي على البلد» ، معتبرا ذلك الحد الأدنى اللازم لخلق أكثرية يهودية فيها ، تفي بالعهد الذي «قطعناه على أنفسنا في العقد المبرم مع بريطانيا وتضمن للاستعمار اليهودي القدرة على مجابهة الخطر العربي الذي يهددنا.» (١) وإذ لم يلتفت نوردو إلى العوائق الذاتية والموضوعية أمام مشروعه ، فقد هاجم قيادة المنظمة الصهيونية على تقاعسها في شراء الأراضي ، وتهيئة الأوضاع لاستيعاب المهاجرين اليهود فيها ؛ وبالتالي عجزها عن الاستجابة للتحديات التي يفرضها الاعتراف الدولي بالمشروع الصهيوني. لكن مشروع نوردو لم يتحقق ، وأساسا بسبب عدم استجابة اليهود لدعوة الصهيونية إلى الهجرة والاستيطان في فلسطين.
ولما كانت هجرة اليهود إلى فلسطين هي مفتاح نجاح المشروع الصهيوني ، فقد أصبحت بؤرة نشاط الوكالة اليهودية ، من جهة ، وعنوان المقاومة العربية ، من جهة أخرى. ولأن الوكالة اليهودية لم تحقق نجاحا كبيرا في تهجير يهود العالم وتمويل توطينهم في فلسطين ، بصورة تغير الواقع الديموغرافي فيها جذريا ، فقد عمدت ، وبالتعاون مع سلطات الانتداب ، إلى قطع الطريق على قيام مؤسسات حكم تمثيلية في البلد ، تعبر عن ذلك الواقع ، الذي تسود فيه أغلبية عربية ساحقة. هذا فضلا عن أن صك الانتداب كان يحول دون ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير ، إذ إن ذلك ينفي مبرر ذلك الانتداب ـ تجسيد وعد بلفور. وبناء عليه ، ولما جاء دستور فلسطين منسجما مع سياسة الانتداب ، فقد رفضه الشعب الفلسطيني ، ممثلا بالمؤتمر الخامس ، الذي عقد في نابلس في الفترة ٢٢ ـ ٢٥ آب / أغسطس ١٩٢٢ م ، بعد عودة الوفد من لندن. كما اتخذ المؤتمر قرارا بمقاطعة الانتخابات للمجلس التشريعي الذي ينص عليه الدستور ، والتي حدد المندوب السامي موعدها في شباط / فبراير ١٩٢٣ م.
وفي المؤتمر قدم «وفد لندن الأول» تقريرا عن زيارته الطويلة ، وكان رئيسه ، موسى كاظم الحسيني ، أكد في خطاب له في حيفا لدى وصوله «أن أبواب إنكلترا
__________________
(٣٢) «القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني» ، مصدر سبق ذكره ، ص ٧٧.