وعلى أي تقدير سواء أكان المراد من العالمين في الآيات الآخر جميع المخلوقات التي يحويها الفلك من الجواهر والأعراض ، أم كان المراد الإنس والجن ، فالمراد منه في الآية بقرينة كونه « نذيراً » خصوص الانسان أو مطلق من يعقل ، فالآية صريحة في أنّ انذاره لا يختص بناس دون ناس ، أو بزمان دون زمان ، فهو على اطلاقه يعطي كونه نذيراً للاُمّة البشرية بلا قيد ولا حد.
ولقائل أن يعترض ويقول : ربّما يطلق « العالمون » ويراد منه الجم الغفير من الناس كما في قوله سبحانه في تفضيل بني اسرائيل : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ( البقرة ـ ٤٧ ) ويقال رأيت عالماً من الناس يراد به الكثرة وعند ذاك لا تكون الآية صريحة فيما نرتئيه.
والجواب : انّ المتبادر من العالمين في مصطلح العرف والقرآن هو المعنى العام وهو عبارة أمّا عن الخلائق عامة كما عليه قوله سبحانه : ( قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ) ( الشعراء ٢٣ ـ ٢٤ ).
وغيره من الآيات الكثيرة التي استعملت فيها كلمة « العالمين » في الخلق كلّه ، أو نوع ما يعقل من الملائكة والإنس والجن وعليه قوله تعالى : ( وَلَٰكِنَّ اللهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ) ( البقرة ـ ٢٥١ ).
وقوله سبحانه : ( وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ ) ( آل عمران ـ ١٠٨ ) ، أو خصوص الإنس وعليه قوله تعالى : ( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ) ( آل عمران ـ ٩٦ ).
وقوله سبحانه : ( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ) ( الشعراء ـ ١٦٥ ).
وقوله سبحانه : ( أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ) ( الأعراف ـ ٨٠ ، وقريب منها ما في العنكبوت ـ ٢٨ ).
وعلى ما ذكرنا فلا يسوغ أن يحمل هذ اللفظ على غير هذه المعاني ، إلاّ بقرينة صارفة عن ظاهره وهي غير موجودة في المقام.