ولا مثقّفين ، اللّهمّ إلاّ بضعة أشخاص (١) لم ينالوا من الثقافة إلاّ صبابات هي إلى الجهل أقرب منها إلى العلم والمعرفة.
إنّ القرآن جاء بأُصول وأفكار في مجال المعارف العقلية العليا لم يقف عليها حتى النوابغ من الفلاسفة ، في الشرق والغرب ، إلاّ عن طريق ذلك الكتاب الإلهي وهدايته.
إنّ من الظلم الفضيع إهمال دراسة هذه المعارف العليا بحجة أنّها مسائل غيبية يجب الاعتقاد بها إجمالاً ، وترك دراستها ومناقشتها وتحليلها.
والعجب أنّه روي عن الإمام مالك أنّه جاء إليه رجل فقال : يا أبا عبد الله ( الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ ) كيف استوى ؟
فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء. ثم قال :
« الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، وما أراك إلاّ مبتدعاً ».
فأمر به أن يخرج (٢).
ونحن نعتقد أنّه كان على الإمام أن يجيب على سؤال السائل ويهديه إلى مراده سبحانه من هذه الآية بدل رميه بالابتداع وإخراجه من المجلس.
كما أنّ من الظلم أيضاً ما يرتكبه بعض كتّابنا المسلمين المعاصرين ، حيث أخذ يفسّر هذه المعارف العقلية الإلهية بالأُمور المحسوسة ويحاول تطبيقها على الشؤون المادية فصار فعله بذلك من أوضح مصاديق ( تفسير القرآن بالرأي ) الذي تواترت الأحاديث
__________________
(١) لقد نقل البلاذري في كتابه « فتوح البلدان » أنّ الذين كانوا يعرفون الكتابة في مكة ـ آنذاك ـ لا يتجاوزون سبعة عشر شخصاً ، وفي المدينة أحد عشر شخصاً ، وإليك نصّ ما قاله في هذا المجال :
« دخل الإسلام وفي قريش سبعة عشر رجلاً كلهم يكتب » ثمّ عدهم وذكر أسماءهم وقال :
« كان الكتّاب بالعربية في الأوس والخزرج قليلين ... فجاء الإسلام وفي الأوس والخزرج عدة يكتبون » ثمّ ذكر أسماءهم راجع فتوح البلدان ص ٤٥٦ ـ ٤٥٩ باب في أمر الخط.
(٢) مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية ، ج ١ ، ص ٤٤٣.