الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وإلاّ لكان اللازم أن يخرجها عن صورة الشرط ، ويلقيها على وجه الإخبار بل الهدف والذي سيق لأجله الكلام ، هو بيان الملازمة ، وأنّ السنّة جرت عليها في الأدوار كلّها ، من دون أن يكون بصدد الإخبار عن وقوع الشرط في زمان.
وهذا كقول المعلم لتلاميذه : لا صلة ولا قرابة بيني وبين أحد منكم ، من جد في درسه واتقن كتابته وخرج عن عهدة التكاليف الواجبة عليه فهو الناجح ، يعني بذلك أنّ السنّة الجارية في المدرسة والكليات والجامعات هي هذه من غير فرق بين هذا الصف والصف الآخر ، وهذه المدرسة والمدرسة الاُخرى ، وهذا الزمان أو غيره من الأجيال السالفة والتالية.
وأدل دليل على أنّ الآية ليست بصدد الإخبار عن مجيء رسل آخرين غير رسول الله هو استعمال كلمة « إن » الدالة على الشك والترديد في وقوع تاليها ، دون « إذا » الدالة على القطع واليقين ، فلو كان الهدف الإخبار عن مجيئهم لكان له الإخبار عن ذلك بكلمة تدلّ على القطع والجزم ، لأنّ الرسل ومجيئهم من مهمات الاُمور وعظائمها ، فلا يصح الإخبار عنه بهذه الجملة الدالة على الشك والترديد ، إلاّ إذا سيقت الآية لبيان الملازمة فقط ، لا الإخبار عن وقوع الشرط ولذلك ترى أنّه سبحانه يأتي في معرض الدلالة على الاُمور القطعية بعبارة مؤكدة كما في قوله : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ) ( سبأ ـ ٣ ).
وقوله سبحانه : ( ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُم بِهَا ) ( النمل ـ ٣٧ ).
وحصيلة البحث أنَّ الآية بصدد بيان أنّ الفلاح والرشاد لمن يقتدي بهدى نبيّه ويقتفي أثره ولا يتخطى الخطوط التي يرسمها له رسوله في معاشه ومعاده سواء أكان الرسول رسول الإسلام أم غيره ، وليست ناظرة إلى بيان مجيء الرسل بعد عصر نزول الآية كما هو مرمى المستدل.
ونظير المقام قوله : ( مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا * الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ