مثل اُمّة نوح وعيسى وموسى ، رسولاً يدعوهم إلى دين الحق ويهديهم إلى صراطه ، وأمّا أمد رسالة الرسول وكميتها ، فالآية غير ناظرة إليه ، لا صريحاً ولا تلويحاً لا مفهوماً ولا منطوقاً ولا مانع من أن يكون إحدى هذه الرسالات غير محدودة بحد خاص ، ويكون صاحبها خاتم الرسل ودينه خاتم الأديان ، وقد دلّ القرآن على أنّ نبي الإسلام هو ذاك ، كما تقدمت دلائله.
ونظير ذلك قوله سبحانه : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ ) ( النحل ـ ٣٦ ).
أتجد من نفسك أنّ الآية تشير إلى تحديد الشريعة بعد الإسلام ، لا ، لا تجده من نفسك ، ولا يجد ذلك أيضاً كل متحرر عن قيد العصبية.
وأمّا الآية الثانية ، فكشف الغطاء عن محيا الحق ، يحتاج إلى توضيح وتحقيق معنى « الاُمّة » الواردة في الكتاب والسنّة ، فنقول :
قال الراغب : الاُمّة ، كل جماعة يجمعهم أمر ما : أمّا دين ، أو مكان ، أو زمان ، وهذا الجامع ربّما يكون اختيارياً وقد يكون تسخيرياً (١).
هذه الحقيقة التي كشف عنها الراغب ، هو الظاهر من الكتاب والسنّة وموارد الاستعمال وصرّح بها الجهابذة من اللغويين ، ودونك توضيح ما أفاده الراغب :
الجامع الديني ، كما في قوله سبحانه : ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ) ( البقرة ـ ١٢٨ ) وقوله سبحانه : ( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ) ( آل عمران ـ ١١٠ ).
الجامع الزماني كقوله سبحانه : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ
__________________
(١) المفردات للراغب ص ٢٣ مادة « اُم » وكان الأولى أن يضيف إلى هذه الجوامع لفظ « أو غيره » إذ لا ينحصر الجامع بهذه الثلاثة وليس المقصود أنّ هذه الجوامع داخلة في مفهموم « الاُمّة » حتى يقال : أنّ توصيف الاُمّة في الآية بكونها « مسلمة » دليل على خروجها عن مفهوم الآية ، بل المراد أنّ هذه الجوامع تكون مصححة ، لاطلاقها على الجماعة.