فلنرجع إلى مفاد الاُمّة :
إذا عرفت ما ذكرناه : فلنرجع إلى مفاد الاُمّة فنقول قوله سبحانه : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ... ) يحتمل في بادئ الأمر أن يراد منها الطريقة أو الجماعة ، ولكن الأوّل مدفوع بما في ذيله : ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ ... ) إذ يجب حينئذ أن يقول : فإذا جاء أجلها بإفراد الضمير ، لو صح إطلاق الأجل على الدين والشريعة (١) فلا مناص من حمل الآية على المعنى الثاني : أعني الجماعة ، التي يربطهم في الحياة أمر ما ، والمراد أنّ كل كتلة من الناس إذا طويت صحيفة حياتهم وانتهت مدة عيشهم لا يمهلون بعد شيئاً ، فلا يستقدمون ولا يستأخرون بل يتوفّاهم ملك الموت الذي وكل بهم ، فلا إمهال ولا تأخير ، فالآية ناظرة إلى بيان أمر تكويني جرت عليه مشيئته سبحانه وهو أنّ حياة الاُمم في أديم الأرض محدود إلى أجل لا يمهلون بعده وليس فيها أي نظر إلى توقيت الشرائع وتحديدها وتتابع الرسل ونزول الكتب.
وأمّا حملها على خصوص الاُمّة الدينية أي الاُمّة التي يجمعها دين واحد فيحتاج إلى الدليل والقرينة (٢) وقد عرفت أنّ الاُمّة عبارة عن الجماعة التي يجمعهم أمر ما ، سواء أكان ذلك الجامع زماناً أو مكاناً أو اتحاداً في الشغل والمهنة أو ديناً ، أو عنصراً ، إلى غير ذلك من عشرات الوحدات الجامعة بين المتشتتين من الناس.
وقد تكرر مضمون الآية في الذكر الحكيم بصور مختلفة كلها تهدف إلى ما ذكرناه ، وأوضحناه ، ودونك بعضها :
( وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ (٣) * مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا
__________________
(١) سيوافيك أنّه لم يستعمل الأجل في القرآن في أمد الأديان.
(٢) وعلى فرض شمول الآية للاُمة الدينية بعمومها ، فمن أين وقف المستدل على أنّه جاءأجلهم ولماذا لا يمتد إلى يوم القيامة كما سيوافيك بيانه تحت عنوان « سؤال من المستدل ».
(٣) أي مكتوب معلوم كتب فيه أجلها.