٣. الآيات المنزّلة في هذا المضمار ، فإنّ هذه الآية ليست فريدة في بابها فقد ورد في هذا المضمون ( أي تدبير أمر الخليقة ) آيات اُخرى كلها تهدف إلى ما أوضحناه ، وهو أنّ تدبير الخلق بعد إيجاده من شؤونه سبحانه ، من دون نظر إلى الشرائع وتجديدها ، ودونك الآيات :
( إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ) ( يونس ـ ٣ ).
وقوله سبحانه : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ ) ( يونس ـ ٣١ ).
وقوله سبحانه : ( اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) ( الرعد ـ ٢ ).
نعم هذه الآيات ساكتة عن عروج الأمر وصعوده في المقدار الذي صرحت به هذه الآية ، ولا يوجب ذلك فرقاً جوهرياً بين أهدافها ومراميها.
ومن ذلك تقف على أنّ الأمر في قوله سبحانه : ( أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) ( الأعراف ـ ٥٤ ) هو أمر الخليقة ، أي هو الذي خلق الأشياء كلّها ، وهو الذي صرفها على حسب إرادته فيها ، فما عن بعض أعلام العرفان والفلسفة من تسمية المادي والماديات بعالم الخلق ، والمجردات والابداعيات بعالم الأمر ، استناداً إلى هذه الآية ضعيف جداً ، وإن كان تقسيم الموجود إلى المجرد والمادي ، صحيحاً لا ريب فيه.
وأمّا الثالثة : فلأنّ تفسير العروج بإندراس الشريعة ونسخها باطل جداً ، لأنّ العروج عبارة عن ذهاب في صعود كقوله سبحانه : ( تَعْرُجُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ) ( المعارج ـ ٤ ) وجعله كناية عن انتهاء أمد الشريعة وبطلانها واندراسها من الكنايات البعيدة التي يجب تنزيه القرآن عنها ، إذ لا معنى لعروج الشريعة المنسوخة إليه سبحانه