ومسائل مستحدثة ، لم تكن معهودة في زمن الرسول ولم يأت بها نص في الكتاب الكريم وسنّته الثابتة ، ولم يتسن للنبي الإشادة بها أمّا لتأخر ظروفها أو لعدم تهيأ النفوس لها أو لغير ذلك من العلل.
وقد ظهرت بوادر هذا الأمر عندما اتسع نطاق الإسلام وضرب بجرانه خارج الجزيرة العربية وطفق المسلمون يخوضون في غمار معارك طاحنة وحروب دامية ، يفتحون البلاد ويخالطون الاُمم ففوجئوا بمسائل مستجدة لم يعرفوا لها حلاً في الكتاب الكريم ولا في سنّة نبيهم مع أنّ الله سبحانه كان قد أخبر في كتابه عن اكمال الدين واتمام النعمة وبناء على هذا فإننا نستكشف أنّ النبي إيفاء لغرض التشريع استودع معارفه عند من يقوم مقامه ويكون له من الصلاحيات ما تخوله للقيام بمثل هذا الأمر الخطير.
وإلى ذلك يشير باقر العلوم بقوله مخاطباً لهشام بن عبد الملك بن مروان : إنا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم في قوله : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا ) والأرض لا تخلو ممّن يكمل هذه الاُمور التي يقصر غيرنا عنها (١).
ثمّ أنّ الكتاب الكريم الذي هو أحد الثقلين فيه محكم ومتشابه وعامّ وخاصّ ومطلق ومقيد ومنسوخ وناسخ ، يجب على الاُمّة عرفانها ، إذ الجهل بها يوجد اتجاهات مذهبية متضاربة. غير أنّ تفسير المتشابه من دون الاستناد إلى ركن وثيق يورث اختلافاً عنيفاً بين المسلمين ، وتفسير المعضل وتفصيل المجمل وتشخيص المنسوخ عن ناسخه يحتاج إلى احاطة كاملة بمفاهيم الكتاب وتشريعاته جليلها ودقيقها وهو ليس إلاّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن يتلو تلوه.
فلأجل رفع هذه المحاذير يجب عليه سبحانه حفاظاً على وحدة الاُمّة وصيانتها عن الشرود في متاهات الضلال أن يشفع كتابه بميزان آخر ، وهاد يدعم أمره ، ومعلم يوضح لهم أسراره ، ليرجع إليه المسلمون حتى يكتمل به غرض التشريع ويرتفع
__________________
(١ بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٣٠٧.