لا يتوصل إلى كل ما فيه من الحقائق والاسرار ، لأنّه منزل من عند الله الذي لا تتصور له نهاية ، ولا يمكن تحديده بحدود وأبعاد ، فيجب أن تكون في كتابه لمعة من لمعاته ، ويثبت بنفسه أنّه من عنده ، ويتوفر فيه ما يدل على أنّه كتاب سماوي ليس من صنع البشر ، وهو خالد إلى ما شاء الله تعالى.
أنّ نبي الإسلام العظيم صلىاللهعليهوآلهوسلم هو أوّل من لفت الأنظار إلى تلكم المزيّة وأنّ هذه المزيّة من أهم خصائصه ، حيث يقول في وصفه له : « له ظهر وبطن وظاهره حكم وباطنه علم ، ظاهره أنيق وباطنه عميق ، له نجوم وعلى نجومه نجوم ، لا تحصى عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة » (١).
وبعد النبي يأتي دور أول تلميذ لمدرسته وهو الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام ليصف القرآن بقوله : « أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبو توقده ، وبحراً لا يدرك قعره ... ـ إلى أن قال ـ : وينابيع العلم وبحوره ، ورياض العدل وغدرانه ، وأثافي الإسلام وبنيانه ، وأودية الحق وغيطانه ، وبحر لا ينزفه المنتزفون وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغضيها الواردون » (٢).
وسأل رجل علي بن موسى الرضا عليهالسلام فقال : ما بال القرآن لا يزداد عند النشر والدرس إلاّ غضاضة ؟ فقال : « إنّ الله تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد وعند كل قوم غض إلى يوم القيامة » (٣). نرى أن الرضا عليهالسلام لا يشير في هذا الحديث إلى موضوع خلود القرآن فقط ، بل يشير أيضاً إلى سر خلوده وبقائه غضاً جديداً لا يتطرق إليه البلى والذبول.
ويجب أن نذكّر القارئ بأنّ النبي وأئمّة أهل البيت عليهمالسلام لم يكونوا وحدهم هم الذين لفتوا الأنظار إلى موضوع آفاقه اللامتناهية ، بل عظماء العرب والعارفون منهم
__________________
(١) الكافي ، كتاب القرآن ، ج ٢ ، ص ٥٩٩.
(٢) شرح نهج البلاغه لعبده ، ج ٢ ، ص ٢٠٢.
(٣) البرهان في تفسير القرآن ، ج ١ ، ص ٢٨.