حالة واحدة ، بل تتقلب من صورة إلى اُخرى ومن حالة إلى ثانية ، والمادة الخارجية غير منفكة عن الفعل والإنفعال في الأحوال كلّها.
هذه هي المادة ، وأمّا النواميس السائدة عليها في نفس الأمر فهي ثابتة أبدية ولا تتغيّر ولا يصيبها التبدّل ولا تقع في مجالات الحركة والتحوّل ، مثلاً المعادلات الرياضية وقانون الجاذبية والثقل النوعي في الموجودات وإنكسار الضوء وأحكام العدسيات وسرعة النور وغيرها من القوانين الفيزياوية ، ثابتة غير متغيرة سائدة في كل الظروف والأزمنة.
على أنّ الإسلام السائد على المجتمع البشري طوال القرون والأجيال ، والباقي إلى مدى الدهور والزمان ، إنّما هو قوانين سماوية ونواميس إلهية شرّعت لإصلاح المجتمع وإسعاده وليس أمراً مادياً أو ظاهرة من ظواهره حتى يعمّه حكم المادة من الحركة والتحوّل والتبدّل ، بل قوانين سماوية سنّها الله سبحانه لعباده ، ليبلغهم إلى مدارج الكمال ومعارج العز ...
ثم إنّه ماذا يريد القائل من قوله : « ليس لنا أصل ثابت » فهل هي نظرية ثابتة ، وفكرة باقية مدى الدهور والأيام وأمر غير متغيّر ، أولا ؟ فلو قال بالأوّل ، فقد جاء بأصل ثابت ، وأمر غير متغيّر ، وبالنتيجة يكون قد نقض قاعدته ، وأصله الذي ركن إليه.
وإن قال بالثاني صار الإشكال أعظم إذ يلزم من عدم ثباته ثبات سائر الاُصول ودوامها ، إذ المفروض أنّ قوله : « ليس لنا علم ثابت » ليس حكماً ثابتاً فليزم من عدم صدقه ، صدق نقيضه ، كما هو شأن المتناقضين.
وبذلك يؤاخذ كل من نفى العلم الصحيح المطلق الصادق في جميع الأدوار والشرائط ، لأنّ قولهم هذا ( ليس عندنا علم صحيح مطلقاً ) قد اُلقي بصورة أنّه صحيح مطلق وأنّه صادق على وجه الاطلاق ، ولو قال بأنّه قد اُلقي على الوجه الصحيح النسبي يصير الفساد أكثر لأنّه يستلزم أن يكون غير هذا القول صحيحاً مطلقاً إذ المفروض أنّ سلب الإطلاق عن غيره إنّما هو بالسلب النسبي لا السلب المطلق ولازم