لكن هذا الأصل إنّما يصح في بعض الموارد وليس أصلاً كلياً ، صادقاً في عامة نواحي الحياة ، حتى يعود المجتمع البشري آلة صماء مسلوب الإرادة والاختيار ولا عمل له إلاّ تحقيق ما تفرضه تلكم العوامل.
ونلاحظ ثانياً أنّ حتمية التاريخ لا صلة لها بتطور الاجتماع ، وأنّ استنتاج الأمر الثاني من الأمر الأوّل غير صحيح جداً ، بل تطوره وثباته تابع لتطور عامل الاجتماع وثباته ، فإن كان العامل المحرك للحياة الاجتماعية ثابتاً كان هو ثابتاً ، وإن كان ذلك العامل متطوراً ، كان متطوراً.
توضيحه : أنّ العامل المحرك للحياة ، قد يكون عاملاً فطرياً فيكون ثابتاً وباقياً وحاكماً ، ما دام الانسان موجوداً أو أفراده باقية متسلسلة ، وعندئذ فمقتضى هذا العامل وأثره يبقى في المجتمع ثابتاً لا يتغير ، ولا مجال فيه لتحوّل ولا تغير.
مثلاً ، الميل الجنسي أمر فطري في الانسان ، له أثر حتمي ودور عظيم في العيش الاجتماعي ومقتضاه في المجتمع هو الزواج ، وبما أنّه عامل فطري في الإنسان ، فلأثره الخلود في المجتمع البشري.
ودونك مثالاً آخر :
التدين والتوجه إلى ما وراء الطبيعة ، أمر فطري في الناس ، وطالما تجمعت الأسباب القاهرة من عنف الجبابرة ، وفتك الطغاة على أنّ تصرّف بني الانسان عن التدين فما استطاعت انتزاعه ، فالحياة الدينية التي هي جزء من الحياة الاجتماعية موجودة دائماً ، لأنّ لها عاملاً فطرياً لا يزول.
ونحن نعترف بأنّ للعوامل الداخلية التي تستمد من طبيعة المجتمع ، تأثيراً حتمياً في تاريخ الحياة الاجتماعية للانسان لا يختلف ، وهي أثر محتوم لها ، غير أنّ جعل حتمية التاريخ مساوية لتطوّر المجتمع وتحوّله في كل زمان غير صحيح أبداً. بل هناك مسألتان :
١. تطور الاجتماع وتبدله في كل زمان.