خاصة ، يستنبطها الباحث الإسلامي باستفراغ وسعة على ضوء هذه الخطوط العريضة ، بشرط أن لا يصادمها ، وهذا القسم من الأحكام يتجدد بتجدد العهود وتباين الظروف وتعدد الملابسات واختلاف الشرائط.
فمن قواعد الدين الإسلامي ما هو خالد وثابت وهو ما يمس الفطرة الإنسانية وله صلة بالكون والطبيعة ، وما هو متغير ومتبدل ، وهو الذي لا يمس واقع العلاقات الاجتماعية والشؤون البشرية ، ولا يتجاوز حدود الظواهر الاجتماعية وقد منحه هذا التطور ، أسباب الخلود والبقاء والمسايرة مع عامة الحضارات ، بشرط أن لا يصطدم التحوّل على أي أساس مع اُسسه ولا يتجاوز حداً من حدوده.
فالحكم الكلي الذي يعالج القضايا البشرية على غرار الفطرة ، وصعيدها الكوني ، ثابت وخالد في كل العصور والأزمنة ، وإن تطورت الأوضاع الاجتماعية والسياسية واختلفت حاجات الناس فإنّ الأنظمة الإسلامية والدساتير الشرعية ، تساير الفطرة الإنسانية الثابتة ، وتوالي الطبيعة الكونية ، ولا تتخلف عنهما قدر شعرة فإذا كان التشريع معبّراً عن الكون الثابت ، ومبتنياً عليه ، فيخلد بخلوده ويدوم بدوامه.
أجل أنّ تقلّب الأحوال وتحوّل الأوضاع الاجتماعية يتطلب تحوّلاً في السنن والأنظمة ، وتبدّلاً في الأحكام والقوانين ، غير أنّه لا يتطلب تحولاً فيما يمس واقع الانسانية السائدة في جميع الأحوال ومختلف الأوضاع ، كما لا يتطلب تحوّلاً في القوانين الكونية التي أصبحت تدبّر الكون باُصوله الثابتة فلا تتغير النسب الرياضية ولا النتائج الهندسية وإن تطورت الأوضاع وتبدلت الحضارات.
وإنّما المتغير هو المظاهر والقشور ، والشكل التطبيقي لهاتيك الأحكام في مختلف الأوضاع وتطور الاجتماع ، والمتأثّر بالأوضاع هو القسم الثاني لا الأوّل ، ولا ضير فيه فإنّ الدين الإسلامي إنّما يستعرض القضايا التي تمس واقع البشرية ، والمسائل التي لها صلة بالكون والطبيعة ويترك التطبيق بعد لنفس المكلف حسب ظروفه وأحواله.
وبذلك تقف على أنّ التطور والتحوّل ، فيما كتب له التغير والتبدل جزء جوهري