ويلاحظ بأنّ الإسلام ، هو الذي يواجه وحده ، بهذا الاشكال من بين سائر الشرائع ، إذ ليس الإسلام عبارة عن تعاليم منحصرة في عدة أحكام عبادية وأخلاقية تؤدّى بصورة فردية ، بين الانسان وربّه ، أو بينه وبين نفسه ، دون أن يتدخل في تحديد المناهج الاجتماعية والعلاقات الانسانية والمدنية ، وليس منحصراً في هذه المقررات البسيطة ، حتى لا يكون وافياً في جميع الأزمنة ، بالغاية التي يهدف إليها وإنّما هو نظام تشريعي كامل ، قد تدخل في شؤون المجتمع كافة ، فهو ذو قوانين مدنية وقضائية وسياسية واجتماعية وعسكرية وعائلية ، كفيلة باغناء البشرية ، عن كل تشريع سوى تشريعه ، وعن كل اصلاح غير اصلاحه ، فهذه القوانين المحدودة كيف تغني المجتمع البشري عن ممارسة التشريع في الحوادث والموضوعات التي لم يكن بها عهد زمن نزول القرآن وبعثة الرسول ؟
وفي هذه النقطة ، تفترق المسيحية عن الإسلام ، إذ هي لا تتجاوز في تشريعها نطاق الأخلاق الفردية والتعبّد لله ، بصلاة وصوم ، في وقت معين ، أمّا مناهج الحياة الاجتماعية وتنظيمها وتنسيق معاملاتها ، ذلك ما يقرّه المجتمع نفسه ، ويفوّضونه إلى السلطات الحاكمة.
ولكن الإسلام يتعرض لكل شأن من شؤون الحياة ، ويقنّن ويشرّع لكل أمر من اُمور المجتمع ، المدنية والمعاشية ، بالاضافة إلى تشريعاته وقوانيه الأخلاقية ، والعبادية الفردية ، ويسد باب التشريع في ذلك على غيره ، فالسلطة التشريعية بيده وحده ، وعلى المجتمع أن يختار السلطة التنفيذية والسلطة القضائية فقط ، ضمن ما يشرعه الإسلام.
وملخص السؤال ، انّ المجتمع الإنساني ، يواجه أوضاعاً وأحداثاً جديدة تطرح عليه مشاكل لاعهد للأزمنة السابقة بها ، فلا نجد في التشريع الإسلامي لهذه الأوضاع والأحداث حكماً من الأحكام ، إذن فحاجة المجتمع إلى قوانين وتشريعات جديدة لا تزال تتزايد كل يوم تبعاً لذلك ، وبما أنّ نصوص الشريعة من الكتاب والسنّة محدودة ، وحوداث المجتمع غير محدودة ، فكيف يمكن أن تفي النصوص المحدودة بالحوادث الطارئة غير المتناهية ؟