عليه في تبليغ الأحكام إلى الناس كما اعتمد على القرآن والسنّة.
وقد فتح هذا الاعتراف للإسلام بقاء وخلوداً ، وجعله صالحاً للانطباق مع عامة الحضارات الانسانية ، وغدا التشريع الإسلامي في ضوئه ذا سعة وانطلاق وشمول لما يتجدد من الأحداث ولما يطرأ من الأوضاع الاجتماعية الجديدة.
هذا بخلاف ما إذا اعتبرناه عنصراً غريباً في صعيد التشريع وعزلناه عن الحكم ورفضنا كل ما يدركه من الأحكام العقلية المحضة ، فإنّه يؤدي إلى تجميد المخطط القانوني وعدم صلاحيته للحكم والتطبيق في البيئات والظروف الاجتماعية المختلفة.
نعم ليس معنى الاعتراف بحجية العقل ، أنّه يطلق سراحه في جميع المجالات حتى يتاح له ( بما اُوتي من امكانات ووسائل محدودة ) أن يتسرّع في الحكم في مصالح الفرد والمجتمع وشكل العلاقات والروابط الاجتماعية والعبادات والأحكام التوقيفية.
بل فسح له الحكم في مجالات خاصة إذا توفرت فيه الشرائط التي تصونه عن الاشتباه والخطأ واقترن بالضمانات الكافية التي تحفظه عن الزلل ، وسوف نشير إلى هذه الشرائط والضمانات ، وستوافيك نماذج من الأحكام العقلية في هذا البحث.
فالقارئ الكريم إذا لاحظ كتاب الله العزيز وسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وعترته عليهمالسلام يرى فيهما الحث البالغ الأكيد على التدبّر والتفكّر والتعقّل لما يعسر على الانسان الاحاطة والاحصاء ولنكتف بذكر بعض ما اثر في المقام.
قال الإمام الطاهر موسى بن جعفر عليهالسلام لتلميذه هشام :
إنّ الله تبارك وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه فقال : ( ... فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَٰئِكَ هُمْ أُولُوا الأَلْبَابِ ) ( الزمر ١٧ ـ ١٨ ).
يا هشام : إنّ الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول ونصر النبيين بالبيان ودلّهم على ربوبيّته بالأدلّة فقال : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ