اعطاء حكم » (١).
« وليس الاجتهاد من البدع المحدثة ، فإنّه كان مفتوحاً في زمن النبوّة وبين أصحابه صلىاللهعليهوآلهوسلم فضلاً عن غيرهم ، وفضلاً عن سائر الأزمنة التي بعده ، نعم غايته إنّ الاجتهاد يومئذ ، كان خفيف المؤونة جداً ، لقرب العهد ، وتوفّر القرائن ، وامكان السؤال المفيد للعلم القاطع ، ثم كلّما بعد العهد من زمن الرسالة وكثرت الآراء والأحاديث والروايات ، ربّما قد دخل فيها الدس والوضع ، وتوفرت دواعي الكذب على النبي ، أخذ الاجتهاد ومعرفة الحكم الشرعي ، يصعب ويحتاج إلى مزيد من المؤونة واستفراغ الوسع » (٢).
ويرشدك إلى وجوده في زمن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قول الرسول لأمير المؤمنين عليهالسلام عندما بعثه إلى اليمن : قال علي عليهالسلام : بعثني رسول الله إلى اليمن ، قلت يا رسول الله تبعثني وأنا شاب ، أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء ؟ قال : فضرب بيده في صدري وقال : « اللّهمّ أهد قلبه وثبّت لسانه » فو الذي نفسي بيده ما شككت في قضاء بين اثنين (٣).
وقال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمعاذ بن جبل حين وجهه إلى اليمن : بم تقضي ؟ قال : بما في كتاب الله ، قال فإن لم تجد ؟ قال : بما في سنّة رسول الله ، قال : فإن لم تجد ؟ قال : اجتهد رأيي ، ولا آلو جهداً ، فسر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : الحمد لله الذي وفّق رسول رسوله بما يرضي رسوله (٤).
__________________
(١) رسالة الإسلام ، السنة الثالثة ، العدد الثاني ، عن مقال « أحمد أمين المصري ».
(٢) أصل الشيعة واُصولها ، ص ١١٩ طبعة بيروت.
(٣) أعلام الورى ص ١٣٧ ، والبحار ج ٢١ ص ٣٦١ ، وشتان بين علمه واجتهاده عليهالسلام وعلم الآخرين واجتهادهم.
(٤) الطبقات الكبرى ج ٢ ص ٣٤٧ والاستيعاب ، لابن عبد البر ، في ترجمة « معاذ » واللفظ للثاني.
أقول : لو صح الحديث يكون المراد منه باعتبار وروده في أمر القضاء ، هو فصل الخصومة في الأموال والنفوس ، بما يعدها العقلاء عدلاً وأنصافاً وهذا المراد من قوله : اجتهد رأيي. وعندئذ لا يكون الحديث دليلاً على صحة مطلق الرأي حتى المستند إلى القياس والاستحسان واشباههما التي لا قيمة لها عندنا في عالم الاستنباط.