وتوارد عليه النفي والاثبات ربّما ظهر وهنه وضعفه.
نعم يجب على الباحث عن الحقيقة أن يعرض آراءه وأفكاره للجو الهادئ المتحرر عن التعصب لفئة غابرة ، أو فكرة حاضرة ، الشاخص أمام كل رأي فارغ عن الدليل والبرهنة ، فالاجتهاد بهذا النحو رمز كشف الحقيقة ، رمز خلود الإسلام وبقائه ، رمز كونه غضاً طرياً في كل عصر وجيل.
نعم ربّما يجد الناشئ الجديد في نفسه حرجاً عند وقوفه على اختلاف أصحاب الآراء والمذاهب في اُصول الإسلام وفروعه ، ويتخيله حاجزاً يعرقل خطاه عن الوصول إلى الواقع ، ويتمنّى رفع الخلاف الفكري في المسائل من رأس بتأسيس مؤتمرات علمية من ذوي الأفكار.
بل ربّما نسمع من بعض الشباب سؤالاً يوجهه إلى الهيئات العلمية الإسلامية ويقول كان في وسع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يجمع اُصول الإسلام وفروعه وكل ما يرجع إليه في كتاب ، ويتركه بين الاُمّة حتى يسد بذلك باب التقوّل من بعده على المتقوّلين ، فلماذا لم يفعل ذلك ؟!
لكنّه رأي غير ناضج ، إذ لو جمعها النبي في كتاب وسلمه إلى الاُمّة ، لاستولى الركود الفكري والتدهور العقلي على عقلية الاُمّة ، وانحسر كثير من المفاهيم والقيم الإسلامية عن ذهنيتها ، وأوجب ضياع العلم وتطرق التحريف إلى اُصوله وفروعه حتى إلى الكتاب الذي كتب فيه كل صغير وكبير.
فلم تقم للإسلام دعامة ، ولا حفظ كيانه ونظامه ، إلاّ على ضوء هذه البحوث العلمية والنقاشات الدارجة بين العلماء ، ورد صاحب فكر على ذي فكر آخر بلا محاباة.
وقد حكى شيخنا العلاّمة المتضلّع شيخ الشريعة الاصفهاني (١) في مقدمة
__________________
(١) فقيه متضلّع ، اُصولي بارع ، خبير باسرار الحديث والتفسير فهو ممن يضن بهم الدهر إلاّ في فترات يسيرة ، كان رحمهالله آية في الذكاء والحفظ ، أثنى عليه كل من أدركه وقرأ عليه ، توفّي عام ١٣٣٩ هجرية قمرية في النجف الأشرف ودفن في الصحن الحيدري.