الحكم عند ارتفاع القيد أولى في نظر السامع كما في المقام فلا يستنبط منه المفهوم فإنّ من بقى على اُميته حتى ناهز الأربعين بل الخمسين أولى بأن يبقى على تلك الحالة في ما بقي من عمره ، فإنّ الرجل إذا لم يحصل على ملكة الكتابة إلى أن ورد في العقد الخامس من عمره لا يحتمل في حقه عادة أن يعود إلى تحصيلها بعد هذه المراحل الطويلة ، وعلى ذلك فلا يمكن الاستدلال على رفع الحكم المستفاد من قوله : ( مَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ ) وقوله : ( وَلا تَخُطُّهُ ) عند ارتفاع القيد ، أي لا يدل على أنّه كان قارئاً وكاتباً بعد بعثته كما هو المقصود.
خلاصة القول : إنّ الآية غير دالة على وضع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد بزوغ دعوته ولا يدل على شيء من الطرفين والتمسك بمفهوم القيد : ( مِن قَبْلِهِ ) إنّما يصح إذا سيق الكلام لأجل افادته والإيماء إلى اختلاف حاله في المقامين وأمّا إذا سيق الكلام لغير هذه الغاية فلا يدل على ما استظهره من المفهوم ، فانّ الغاية من الإتيان بالقيد هو الاستدلال باُمّيته قبل نزول الوحي عليه ، على صدق مقاله ودعوته فإنّ الاُمّي إذا أتى بكتاب أخرس بفصاحته فرسان البلاغة وقادة الخطابة وسادات القوافي وملوك البيان بل أدهش بقوانينه اساطين القوانين والنظام ، يعد كتابه هذا بهذه الأوصاف والنعوت آية على كونه وحياً إلهياً خارجاً عن طوق القدرة البشرية ، وأمّا أنّه هل بقي على الاُمّية بعد ما صار نبيّاً يوحى إليه أو لا ؟ فخارج عن هدف هذه الآية وليست له صلة بمرماها ومقصدها وعلى ذلك نظائر في اللغة والعرف.
ولقد أحسن المرتضى ، فلم يجعل الآية دليلاً على تغيّر حاله بعد بعثته ، وسلك مسلكاً متوسطاً غير ما سلكه استاذه الشيخ المفيد وما قصده تلميذه شيخ الطائفة الطوسي ودونك نقل كلامه :
هذه الآية : ( مَا كُنتَ تَتْلُوا مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ ) تدل على أنّ النبي ما كان يحسن الكتابة قبل النبوّة فأمّا ما بعدها فالذي نعتقده في ذلك ، التجويز لكونه عالماً بالقراءة والكتابة ، والتجويز لكونه غير عالم بهما من غير قطع بأحد الأمرين وظاهر الآية يقتضي