فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) ( التوبة ـ ٩٥ ) وفي هذه السورة شيء كثير من هذا الضرب من التنبّؤ ، فتدبّر في آياتها ومضامينها تجدها مملوءة من الإخبارات الغيبية ، وقد نزلت في حق المنافقين المتخلفين عن غزوة تبوك.
ونظير تلكم الآيات ما ورد في سورة الفتح من التنبّؤ حول الأعراب الذين تخلّفوا عن النبي في الخروج إلى الحديبية ودونك بعض الآيات : ( سَيَقُولُ لَكَ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ) ( الفتح ـ ١١ ).
وقوله سبحانه : ( سَيَقُولُ المُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَىٰ مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَن يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُل لَّن تَتَّبِعُونَا كَذَٰلِكُمْ قَالَ اللهُ مِن قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً ) ( الفتح ـ ١٥ ).
وفي هاتين الآيتين إخبارات غيبية عن كثير مما تفوّه به المخلفون وعن ما يضمرون في أنفسهم ، وما يصيبهم في المستقبل ، يظهر ذلك لكل من أمعن النظر في مفاد الآيتين ودونك تفسيرهما :
لمّا أراد النبي المسير إلى مكة عام « الحديبية » معتمراً وكان في ذي القعدة من سنة ست من الهجرة ، استنفر من حول المدينة من القبائل إلى الخروج معه ، وهم « غفار » و « أسلم » و « مزينة » و « جهينة » و « أشجع » و « الدئل » ، حذراً من قريش أن يتعرضوا له بحرب أو بصد وهو أحرم بالعمرة وساق معه الهدي ليعلم الناس أنّه لا يريد حرباً ، فتثاقل عنه كثير من الأعراب ، فتخلّفوا عنه ، واعتلوا بالشغل ، فأخبر سبحانه عن العذيرة التي سوف يتشبّثون بها ، عند رجوع النبي وأصحابه عن الحديبية بقوله : ( شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا ) كما أخبر عن أنّهم سوف يطلبون من النبي أن يستغفر لهم والحال أنّهم كاذبون في معذرتهم التي تمسّكوا بها ، وفي ما يطلبون من النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم من الاستغفار لهم ، وهم لا يبالون استغفر لهم النبي أم لم يستغفر.
ثمّ أخبر سبحانه عن أنّ النبي بعد منصرفه عن الحديبية بالصلح ، سوف يتوجّه