روي أنّ قريشاً اجتمعت في دار الندوة فقال الوليد لهم أنّكم ذووا أحساب وذووا أحلام ، وأنّ العرب يأتوكم ، فتنطلقون من عندكم على أمر مختلف ، فاجمعوا أمركم على شيء واحد ما تقولون في هذا الرجل؟ قالوا : إنّه شاعر ، فعبس وقال : قد سمعنا الشعر فما يشبه قوله الشعر ، فقالوا : إنّه كاهن ، قال : إذا تأتونه فلا تجدونه يحدث بما تحدث به الكهنة ، قالوا : إنّه لمجنون ، فقال : إذا تأتونه فلا تجدونه مجنوناً ، قالوا : إنّه ساحر ، قال : وما الساحر ؟ فقالوا : بشر يحبب بين المتباغضين ويبغض بين المتحابين ، قال : فهو ساحر ، فخرجوا فكان لا يلاقي أحد منهم النبي إلاّ قال : يا ساحر يا ساحر ، واشتد ذلك فأنزل إليه هذه الآيات (١).
وهذا التنبّؤ صدر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم في مكة وكان في وسع الرجل أن يقلب حاله ويصلح باله ولكنّه بقي على ما كان عليه من كفره وعدائه للنبي والإسلام.
وقد تنبأ القرآن به بصورة اُخرى وهو أنّه سنجعل له علامة على أنفه يعرف بها ، حيث قال سبحانه : ( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ * أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الخُرْطُومِ ) ( القلم : ١٠ ـ ١٦ ) وقد حضر الرجل في معركة بدر الكبرى فخطم أنفه بالسيف ، وبقي أثر هذه الضربة سمة وعلامة له كما هو أحد الوجوه في تفسير قوله : ( سَنَسِمُهُ عَلَى الخُرْطُومِ ) (٢).
ولا ينحصر تنبّؤ القرآن بعدم إيمان عمّه أو الوليد بل تنبأ في آية اُخرى عن عدم إيمان ثلة كبيرة من الكافرين فقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) ( البقرة : ٦ ).
وقال سبحانه : ( وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) ( يس ـ ١٠ ). وليس المراد عموم الكافرين لبطلانه بالضرورة لدخول كثير منهم في الإسلام بل
__________________
(١) مجمع البيان ج ١ ص ٣٨٧.
(٢) الكشاف ج ٤ ص ٢٥٨.