الذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ) إذ لو كان الدخان الوارد في الآية من أشراط الساعة ، لغشي الناس جميعاً ، ولم يختص بكفار قريش وعند ذاك لا يصح لوم الجميع بقوله : (أَنَّىٰ لَهُمُ الذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ ) فإنّ كثيراً من المحشورين في يوم القيامة ، ليسوا من اُمّة نبيّنا « محمد » ولم يتولّوا عنه ولم يتّهموه بأنّه معلّم مجنون.
ثمّ إنّ القرآن كما تنبّأ في مكة بما يصيب كفار قريش لم يزل يتنبّأ أيضاً بعدما هبط النبي في المدينة وأخذ يتنبّأ بما سيصيب الكفار من المشركين واليهود ويخبر عن مؤامراتهم ضد الإسلام فقال :
( قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَىٰ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ المِهَادُ ) ( آل عمران ـ ١٢ ) فالآية أمّا نازلة في حق اليهود أو في مشركي مكة ، وعلى كلّ حال فالآية صادقة في حق كلتا الطائفتين (١) وسيوافيك بيانها.
ومثل الآية قوله سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ) ( الأنفال ـ ٣٦ ) ، والآية تخبر عن مؤامرة المشركين وانفاق أموالهم في معصية الله ، ثم ينكشف لهم من ذلك الانفاق ما يكون حسرة عليهم من حيث إنّهم لا ينتفعون بذلك الانفاق ، لا في الدنيا ولا في الآخرة ، بل يكون وبالاً عليهم ثم يغلبون في الحرب ، فقد روى أنّها نزلت في أبي سفيان بن حرب الذي استأجر يوم أُحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي ، سوى من استأجرهم من العرب.
وروي أيضاً غير ذلك (٢).
__________________
(١) مجمع البيان ج ١ ص ٤١٣.
(٢) مجمع البيان ج ٢ ص ٥٤١.