كانت دعوة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم في بدء أمرها تدور بين أهله وعشيرته ، ممتثلاً لما أمره الله سبحانه بذلك ، بقوله : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ( الشعراء ـ ٢١٤ ) ، والسر في ذلك أنّ النفوذ في الآل والعشيرة ألزم وأسهل من الأجانب والأباعد.
مضى رسول الله في دعوته السرية ثلاث سنين ، وهو ينذر طيلة تلك المدة قومه وعشيرته ، ويؤمي إلى عموم دعوته تارة ، ويجاهر بذلك اُخرى ، ويستنتج أنّ دعوته وشريعته عالمية ، سوف تعم العالم كله ، ولا تحبس بإطار خاص.
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم في خطاب ألقاه في داره ، حينما وفد إليه أعمامه وأخواله ومن كانت له به صلة :
« والله الذي لا إله إلاّ هو ، أنّي رسول الله إليكم خاصة ، وإلى الناس عامة (١) والله لتموتن كما تنامون ، ولتبعثن كما تستيقظون ، ولتحاسبن بما تعملون ، وأنّها الجنّة أبداً ، والنار أبداً » (٢).
ثم إنّه كان ينتهز الفرص ، التي تسنح له للاجهار بدعوته ، إلى أن أمره تعالى بأن يصدع بما اُمر به ، وأن ينادي الناس عامّة باتباع دينه وشريعته ، امتثالاً لما أمره سبحانه به ، بقوله :
( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ ) ( الحجر ـ ٩٤ ).
فصعد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم على الصفا وهو يهتف ويقول : واصباحاه ! فاجتمع الناس حوله ، فقال : إن أخبرتكم أنّ خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم ، أكنتم تكذّبوني ؟ قالوا : ما جرّبنا عليك كذباً ، فقال : يا معشر قريش انقذوا أنفسكم من النار ، فإنّي لا اُغني عنكم من الله شيئاً ، انّي لكم نذير مبين بين يدي عذاب شديد ، إنّما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو ، فانطلق يريد أهله فخشى أن
__________________
(١) أليس هذا تصريحاً بعمومية رسالته في بدء دعوته.
(٢) الكامل لابن الأثير ، ج ٢ ، ص ٤١.