توضيحه : أنّ ما يجري على الله سبحانه من صفات ونعوت تختلف عمّا يجري على غيره سبحانه لا بمعنى أنّ للعلم معنيين مختلفين بأحدهما يجري على الواجب وبالمعنى الآخر يجري على الممكن ، فإنّ ذلك باطل بالضرورة إذ ليس للعلم ولا لسائر أوصافه في اللغة والعرف إلاّ معنى واحداً وهو في العلم انكشاف المعلوم لدى العالم بطريق من الطرق ، وكذا الحياة والقدرة والسمع والبصر بل المراد اختلاف المحمول عند الجري على الواجب والممكن من جانب آخر. وهو الاختلاف في كيفية الجري والاتصاف ، فإنّ العلم : منه واجب ، ومنه ممكن منه ذاتي ومنه اكتسابي ، منه مطلق ومرسل عن القيود ، ومنه مقيّد محدود ، منه ما هو عين الذات بلا تعدد بين الوصف والموصوف ، ومنه زائد على الذات وعارض عليه ، وهكذا واللائق من هذه الأقسام بساحته تعالى هو القسم الأوّل.
كما أنّ الصحيح عند الحمل على الموجود الممكن هو الثاني لما تحقق وثبت بالبراهين العلمية أنّ علمه سبحانه مطلقاً بذاته أو غيره ، ذاتي له لا عرضي ، مطلق لا مقيّد. مرسل لا محدود.
وعلى ذلك ـ فعلمه سبحانه بكل شيء ، عين ذاته ، لا عارض عليه ، فالذات هو نفس العلم والعلم هو عين الذات بلا تعدد ولا اثنينية بين الذات وعلمه ونظير المقام اطلاق علمه ، فعلمه سبحانه مطلق عن القيود ، مرسل عن الحدود ، فلا يحدده كيف ولا يقيّده أين ، مجرد عن الامكان وأحكامه ، منزّه عن التجزئة والمقدار وآثاره إلى غير ذلك من أحكام الممكنات ولوازمها.
فهذه الآيات الدالة على اختصاص العلم بالغيب به سبحانه لا تهدف إلاّ إلى ما يناسب ساحته وهو العلم الواجب الذاتي المرسل المطلق عن الحدود ، الذي لا يشاركه غيره ، لا ما يمكن أن ينعت به الممكن ويتصف به غير الواجب واتصاف الغير بالعلم الامكاني الكسبي منه سبحانه ، المحدود بالزمان والمكان وغيرها من الحدود ، الزائد على ذات الموصوف ، والعارض عليه ، لا يعد نقضاً للحصر ، بل لا يستلزم استثناء عن الحكم