غير أنّ ابداء الرأي القاطع في سعة علومهم واطلاعهم على المغيبات يحتاج إلى امعان النظر في أحاديث الباب كلّها فإنّها ليست على صعيد واحد بل تختلف مضامينها وبما أنّ الاسهاب يوجب الخروج عن الهدف من هذا الفصل فنرجئ البحث عنه إلى مقام آخر.
الجواب الثاني :
لو كان علمهم عليهمالسلام بالمغيبات علماً بالفعل بحضورها لديهم تفصيلاً بدقائقها وتفاصيلها فلا يجتمع ذاك مع مفاد الآية ، وأمّا إذا قلنا بأنّ علمهم بالغيب على حسب مشيئتهم بحيث لو شاؤوا علموا ، ولو لم يشاؤوا لم يعلموا (١) فينقطع الإشكال من أصله فإنّ مثلهم بالنسبة إلى الحوادث القادمة عليهمالسلام كمثل الذي اُلقي عليه سؤال وبيده كتاب ، فيه جوابه لو رجع إليه علم ، وإذا لم يرجع إليه لم يعلم ، أو مثل الفقيه الذي له ملكة الاجتهاد ، واستنباط الأحكام عن أدلّتها ، أو الطبيب البارع الذي له قدرة التشخيص والعلاج ، أو العالم الرياضي القادر على حل المعادلات الجبرية فإنّهم إذا شاؤوا علموا وأجابوا عن السؤال ، ورفعوا الستار عن مجهولهم بالرجوع إلى ملكاتهم العلمية ، فلا ينافي عدم استحضارهم جواب السؤال ، مع امكان اطلاعهم عليه إذا شاؤوا ، وعلى ذلك فكل ما أصابهم شر وكل ما فاتهم خير فيمكن أن يكون ممّا لم يشاؤوا أن يعلموه.
قال العلاّمة الطباطبائي : « قد ورد في بعض الأخبار ، وسياق التفسير لسائرها أنّهم عليهمالسلام إذا شاؤوا علموا ، وإذا لم يشاؤوا لم يعلموا ، ويتحصل منه أنّ لهم بحسب مقام نورانيتهم علماً بالفعل بكل شيء ، وأمّا بحسب الوجود العنصري الدنيوي فهم إذا شاؤوا علموا ، بفضل الاتصال بمقام النورانية باذن الله ، وأمّا إذا لم يشاؤوا لم يعلموا.
__________________
(١) وقد عقد الكليني باباً خاصاً لأحاديثه ، غير أنّ ما رواه في هذا الباب ضعيف السند لاحظ الكافي ج ١ ص ٢٥٨.