غير كونه علماً إمكانياً مفاضاً ومستفاداً منه سبحانه ، فعند ذاك يتوجه السؤال ويقال :
بأنّه لو كان النبي عالماً بما سيقع من الحوادث كلّها ، يجب أن لا يمسّه السوء أبداً ويحترز من كل شر ، قبل إصابته وأمّا إذا حددناه بشيء من التحديد وقلنا إنّ علمه بالحوادث ليس بهذه المثابة كما يدل عليه قوله عليهالسلام : « إنّ لله علمين : علم مخزون لا يعلمه إلاّ هو ، من ذلك يكون البداء ، وعلم علّمه ملائكته ورسله وأنبياءه فنحن نعلمه » (١) ، وقوله عليهالسلام : « لولا آية في كتاب الله لحدّثتكم بما يكون إلى يوم القيامة » فقلت أيّة آية؟ قال : « قول الله : ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) » (٢) فالسؤال غير وجيه جداً لأنّه إذا كان علمه بالحوادث المستقبلة ، محدوداً بشيء من هذه الحدود ، لا ينافيه مس السوء وعدم استكثار الخير في بعض الأحايين ، لإمكان أن يكون المورد من العلم المكنون الذي لم يطلع عليه أحد ، أو من الاُمور التي تحقق فيها البداء بمعناه الصحيح الذي نصّت عليه الأحاديث.
روى معمر بن خلاد قال : سأل أبا الحسن عليهالسلام رجل من أهل فارس فقال له : أتعلمون الغيب ؟ فقال : قال أبو جعفر : يبسط لنا العلم فنعلم ، ويقبض عنّا فلا نعلم ، فقال : سرّ الله عزّ وجلّ أسرّه إلى جبرئيل ، وأسرّه جبرئيل إلى محمد وأسرّه محمد إلى من شاء الله (٣) ، وبهذا المضمون روايات وأحاديث ، واختاره لفيف من مشايخ الإمامية (٤).
نعم هذا الجواب ربّما لا يلائم ما دلّت عليه بعض الأحاديث التي نقلها الكليني في كافيه وعقد له باباً ب « أنّهم عليهمالسلام يعلمون علم ما كان وما يكون وأنّه لا يخفى عليهم شيء ».
__________________
(١) الكافي ج ١ ص ١٤٧ وتضافرت الروايات بهذا المضمون وقد جمعها العلامة المجلسي في بحاره في الباب الثاني من كتاب توحيده فراجع ج ٢ ص ٤٧ ـ ٩٢.
(٢) بحار الأنوار ج ٤ باب البداء والنسخ ص ١١٨ ، الحديث ٥٢.
(٣) الكافي ج ١ ص ٢٥٦.
(٤) كالشيخ الصدوق وأمين الإسلام الطبرسي وغيرهما ممّن لا يقولون بعموم علمهم بكل شيء.