الأشعري ) إلى دومة الجندل للحكم في ق ـ ضية الحكمين يوم صفّين أوصاه الإمام عليهالسلام قائلاً : « احكم بكتاب الله ولا تجاوزه » ، فلمّا أدبر قال عليهالسلام : « وكأنّي به وقد خدع ». يقول ابن أبي رافع : قلت للإمام عليهالسلام : فلمَ توجهه وأنت تعلم أنّه مخدوع ؟ فأجابه الإمام عليهالسلام قائلاً : يا بني لو عمل الله في خلقه بعلمه ما احتج عليهم بالرسل (١) أنّه تعالى كان يعلم أنّ طائفة من الناس يستوي عندهم بعث الأنبياء وعدم بعثهم ، أنّهم لا يؤمنون سواء أأرسل إليهم رسول أم لا ومع ذلك فقد أرسل إليهم أنبياء. انّ الإمام عليهالسلام حين يشير في جوابه هذا إلى علم الله غير القابل للخطأ كأنّه يبيّن هذه النقطة وهي : على أن أعمل في الحياة بمقتضى العلل والعوامل الطبيعية ، ولست أعمل وفقاً لما أعلمه من الغيب.
وهكذا نرى الأئمّة عليهمالسلام في الأحاديث المنقولة عنهم يؤكدون على أنّ طريق قضائهم وحكمهم بين الناس هي الأسباب العادية كالشهادة واليمين لا علومهم الغيبية وذلك كما يروي الإمام الصادق عليهالسلام عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : « إنّما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان » ، وأمّا ما ورد في بعض الروايات من جواز أن يحكم الإمام بعلمه في مجال اجراء الحدود فالمقصود منه هو العلم الذي يحصل عليه من الطرق العادية والأسباب الظاهرية كأن يرى الإمام بعينه شخصاً يشرب الخمر ، لا حظوا الرواية التالية : « الواجب على الإمام إذا نظر إلى رجل يزني أو يشرب خمراً أن يقيم عليه الحد ولا يحتاج إلى بيّنة مع نظره لأنّه أمين الله في خلقه » (٢) هذه الرواية تدلّ على أنّ المقصود من عمل الإمام بعلمه هو علمه العادي والطبيعي كما دلّت عليه لفظة « نظر » في الرواية. وإذا لاحظنا أيضاً المسائل القضائية التي وقعت في عصر الإمام أمير المؤمنين لرأينا بوضوح أنّ الإمام عليهالسلام لم يحكم بين الناس استناداً إلى علمه الخاص عن القضية أبداً بل
__________________
(١) المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٢٦١.
(٢) وسائل الشيعة ج ١٨ ص ٣٤٤ ، نعم للإمام أن يحكم بعلمه العادي في الحقوق الالهية فقط ويقيم الحد على مرتكب الجريمة ، ولا يجوز له العمل بعلمه في حقوق الناس كأن يرى شخصاً يسرق من آخر والمسألة معنونة في الفقه فراجع الجواهر.