الجواب :
انّ الناظر في هذه الروايات يقف على أنّ المتبادر من العلم بالغيب في تلك العصور كان هو العلم الاستقلالي الذاتي الذي يختص بالله سبحانه ، فهم عليهمالسلام لصيانة شيعتهم عن الغلو والشرك ، أو لدفع أعدائهم ، صرّحوا بأنّ ما يخبرون عنه من الفتن وملاحم أحداث ليس بعلم غيب بل وراثة من رسول الله أو تعلّم من ذي علم إلى غير ذلك ممّا لا ينافي ما أثبتناه من تحقق اطلاعهم على الغيب بعلم مفاض واعلام منه سبحانه ، ودونك ما وقفنا عليه من تلكم الروايات :
١. هذا أمير المؤمنين ، قد أماط الستر عن المسألة ، وعن علمه وعلم الأئمّة من بعده بالغيب ، وقد أخبر عن ملاحم (١) تحدث بالبصرة ، فاعترض بعض أصحابه وقال : « لقد اُعيطت يا أمير المؤمنين علم الغيب » ؟ فضحك عليهالسلام وقال للرجل ـ وكان كلبياً ـ : « يا أخا كلب ليس هو بعلم غيب وإنّما هو تعلّم من ذي علم ، وإنّما علم الغيب علم الساعة ، وما عدده الله بقوله : ( إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... ) الآية.
فيعلم سبحانه ما في الأرحام من ذكر واُنثى وقبيح وجميل ، وسخي وبخيل ، وشقي وسعيد ، ومن يكون في النار حطباً ، أو في الجنان للنبيين مرافقاً ، فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ الله ، وما سوى ذلك ، فعلم علّمه الله تعالى نبيّه ، فعلّمنيه ودعا لي بأن يعيه صدري وتضطم عليه جوانحي » (٢).
وهذا البيان من مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام لا يدع لقائل شبهة ، ويعطي أنّ العلم بالمغيبات ، إذا كان على وجه التعلّم من الغير ليس هو علم الغيب الذي لا يعلمه إلاّ الله بل ليس علماً بالغيب وإنّما هو إظهار من الغير.
٢. هذا الإمام الطاهر موسى الكاظم عليهالسلام قد كشف النقاب عن وجه الحقيقة حينما سأله يحيى بن عبد الله بن الحسن عن علمه بالغيب وقال : « جعلت فداك
__________________
(١) سوف يوافيك لفظه.
(٢) نهج البلاغة الخطبة ١٢٤.