إلاّ من إرتضاه قال سبحانه : ( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ ) ( البقرة ـ ٢٥٥ ).
غير أنّ الغيب الذي يتوقف على اذنه ومشيئته الخاصة ، هو التعرّف عليه من دون أن يتوسل بعلل وأسباب عادية كما هو الحال في علم الرسول وخلفائه ، وأمّا الاطلاع على الغيب بطرقه العادية وأسبابه الطبيعية ، كاخبار المنجّم عن خسوف القمر في ليلة مقمرة ، وكسوف الشمس في يوم معيّن ، بالاعتماد على الجداول العلمية والمحاسبات الرياضية ، فهو وإن كان علماً بالغيب وتعرّفاً على ما هو غائب عن حس العامة غير أنّه ليس علماً بالغيب في مصطلح القرآن والاخبار.
وإن أبيت إلاّ دخوله في علم الغيب في مصطلح الذكر الحكيم فنقول : إنّ الاطلاع على الغيب بأسبابه العادية من المغيبات التي أذن الله لكل أحد أن يطلع عليها إذا طرقها من أبوابها ونظر إليها في ضوء العلم والتجربة.
فقد أذن لكل من تداول علم النجوم ومارس الطب والطبابة أن يعرف وقت التربيع والخسوف والكسوف وأوضاع الكواكب وأحوالها بفضل الجداول والقوانين الرياضية ، وأن يقف على مستقبل المريض وحالاته بل واوان موته ، كما أذن لكل من درس علم الفلاحة ومارسها ، أن يعرف الشجرة ونتاجها ، والوردة وآوان تفتحها والتربة ومدى صلاحها ، وقابليتها للزراعة إلى غير ذلك ممّا يدور في حقله ، فالتنبّؤ بهذه الاُمور الغائبة ونظائرها يتحقق في ظل دراسات ومسبقات علمية ، ولا يعد ذلك آية ومعجزة ودليلاً على صلة المخبر بالله والعوالم الغيبية بل إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على نبوغه وتوغّله في فنّه الذي تخصص فيه.
ثمّ إنّ الرسول إذ كان ممّن ارتضاه الله سبحانه للتعرف على الغيب والاطلاع عليه ، فللّه سبحانه أن يظهره على غيبه عن طريق كتابه وقرآنه ، وقد وقفت على نماذج من ذلك ، كما أنّ له أن يوقفه عليه بغير هذا الطريق بقذف في روعه وتحديث من ملائكته أو غير ذلك من الطرق الغيبية فلا نرى عند ذاك فرقاً بين أن يتنبّأ بفضل كتابه المنزّل عليه