فإنّ المتبادر من قوله : ( ويعلم ما في الأرحام ) هو العلم بخصوصية الجنين لا العلم بوقت ولادته كما هو ظاهر الحديث مضافاً إلى ما في سنده من الضعف الظاهر لانحراف عكرمة عن أمير المؤمنين ، وأخذه الحديث من اُناس لا خلاق لهم من الدين.
هذه الأحاديث لا يصح الاعتماد عليها إلاّ على ما نقله الرضي في نهج البلاغة عن الإمام عليهالسلام من أنّ علم الغيب علم الساعة ، وما ذكره الله سبحانه بقوله : ( إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ... ) فهذا علم الغيب الذي لا يعلمه أحد إلاّ الله (١).
وهو مما يجب تأويله وتوجيهه على وجه لا ينافي ما تواتر من الروايات من تنبؤ المخلصين بزمان موتهم ومكانه ، وما يلم بهم من خير وشر خصوصاً إذا وقفنا على أنّ الإمام ألقى كلامه هذا تجاه النواصب والمخالفين الذين سمعوا من الإمام في البصرة من الأسرار ما لا يتحملون ، فاعترضوا عليه بأنّه تنبؤ بالغيب ، فأجابهم وصد اعتراضهم بأنّه ليس بعلم الغيب ، بل تعلم من ذي علم ، وإنّما الغيب هو الساعة ، وما عدده سبحانه ... ».
وبما أنّ الكلام ورد في مقام اسكات الخصم يمكن تأويله باحدى الوجوه التي ذكرها العلامة المجلسي في بحاره (٢).
وأوضحها : أن يكون العلم الحتمي بها مختصاً به تعالى وكل ما أخبر الله به من ذلك كان محتملاً للبداء والغرض من تخصيص هذه الموارد بالذكر مع أنّ الجميع كذلك لأجل الحث على جهل البشر بما يهمّه ، والله سبحانه هو العالم بحقائق كتابه.
وإليك نص عبارته :
الأوّل : أن يكون المراد أنّ تلك الاُمور لا يعلمها على التعيين والخصوص إلاّ الله تعالى فإنّهم إذا اخبروا بموت شخص في اليوم الفلاني فيمكن أن لا يعلموا خصوص
__________________
(١) قد أسلفنا لفظ الحديث فراجع صفحة ٤٥٨ من كتابنا.
(٢) بحار الأنوار ج ٢٦ ص ١٠٣ ـ ١٠٤.