نحن نسأله لماذا نسي أو تناسى قوله سبحانه في نفس هذه السورة ( الأنعام ) الدالّ على عمومية رسالته ، وأن ّ الله سبحانه أمره أن ينذر بكتابه كلّ من بلغه هتافه في أقطار الأرض وأرجاء العالم. وقال سبحانه : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ ) ( الأنعام ـ ١٩ ).
وصريح هذه الآية أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أمرلينذر بقرآنه كلّ من بلغه ووصل إليه هتافه ، عربياً كان أو أعجمياً ، شرقياً كان أم غربياً ، فلماذا أخذ الكاتب بالإشعار الضعيف وترك التصريح على خلافه مع كونهما في سورة واحدة ؟!
فلو أنّه كتب ما كتب بدافع التحقيق والبخوع للحقائق ، فلماذا فتح بصره وألقى أسدالاً على بصيرته فاعتمد على الاشعار ورفض التصريح.
ومن المتحتمل أنّه رأى الآيتين ، لكنّه حسب أنّ الله تعالى نقض كلامه الوارد في ابتداء السورة بختامها وهو سبحانه يقول : ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا ) ( النساء ـ ٨٢ ).
نحن لا نميط الستر عن نواياه وضمائره وهو قد وقف على هذه الآية وغيرها مما سردناه من الآيات الدالّة على عالمية رسالته ، لكن الظاهر أنّه لا يستهدف بذلك إلاّ تعكير الصفو وبث بذور الشك في قلوب السذّج والبسطاء من الاُمّة الإسلامية لغاية هو أعرف بها وإن كان لا يفوتنا عرفانها.
والحق أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن في دعوته وانذاره بدعاً من الرسل ، فقد مشى في ابلاغه على سنن من قبله من المرسلين ، فالمسيح كان رسول الله ، إلى اُمّة كبيرة أوسع من بني إسرائيل (١) ، ومع ذلك كلّه فقد بدأ هتافه بكونه رسولاً إلى بني إسرائيل مع أنّه رسول
__________________
(١) نعم لم يثبت كون المسيح مبعوثاً إلى الناس أجمع ، كما سيوافيك بيانه في هذا البحث بل كان مبعوثاً إلى اُمّة كبيرة أوسع من بني اسرائيل ، لما ثبت من بعثه عليهالسلام رسلاً من حوارييه وتلاميذه إلى الاُمم التي لا تمت إلى بني اسرائيل بصلة ، وهو دليل على أوسعية نطاق رسالته من بني اسرائيل.