العرفي ، دون العقلي ، فيراد من قوله سبحانه : نوراً وهدى للناس ، أو ضياء وذكراً للمتقين ، الكتلة المتماسكة من بني اسرائيل.
نعم ، يمكن أن يقال بعكس ذلك ، فيقال : انّ تخصيص بني اسرائيل بالذكر لأجل أنّ التوراة كانت هدى لبني إسرائيل قبل أن تكون لغيرهم بشهادة بعث موسى فيهم وتولّده ونشوئه بينهم ولأجل ذلك خص الله ذلك القوم بالذكر وقال : ( وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ ) ( الإسراء ـ ٢ ).
ولمّا مات وترك بينهم ذلك الكتاب الكريم ، كانت تلك الطائفة أولى بميراث نبيّهم ولأجل ذلك قال : ( وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ) ( غافر ـ ٥٣ ).
ولكن يؤيد الحمل الأول ، أعني كون الاستغراق عرفياً لا عقلياً ، قوله سبحانه : ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ ) ( المائدة ـ ٤٥ ) وقد كتب الله لهم هذا الحكم في التوراة وتقييد الكتابة بلفظ ( عليهم ) يؤيد كون الكتاب نازلاً لهدايتهم خاصة.
ويؤيد الحمل الثاني قوله سبحانه : ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِن كِتَابِ اللهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ) ( المائدة ـ ٤٤ ).
فظاهر الآية أنّ التوراة كانت محكمة بعد موسى عبر القرون يحكم بها النبيون فالآية تفيد سعة نطاق كتابه وشريعته.
ومع ذلك كلّه فالامعان في الآية لا يفيد إلاّ كون الكتاب حجة لبني اسرائيل ومحكماً عليهم والأنبياء الذين كانوا يحكمون به كانوا من بني اسرائيل لا من غيرهم ولقد بعثوا لهدايتهم وذلك لأنّ الله يقول : ( يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ) ( لا لغيرهم ) الذي هو المطلوب.
هذا ما بلغ إليه فهمنا القاصر من التدبّر في آيات الذكر الحكيم ولما كانت في المقام أسئلة حول المختار عقدنا لها الفصل التالي.