بينكم قاضيا فإنّي قد جعلته قاضيا فتحاكموا إليه».
واعترض عليه بما حاصله ، أنّ العلم بشيء من القضايا إن أريد به ما يشمل الظنّ المعلوم الحجّية ، فالمنكر للتجزّي يدّعي أنّه لا يحصل إلّا لمن أحاط بمدارك جميع المسائل ، فالعلم بشيء من القضايا لا ينفكّ عن المطلق ، وإن أريد به العلم الحقيقيّ فموضع النّزاع إنّما هو ظنّ المتجزّي لا علمه.
أقول : ويمكن دفع ذلك بأنّ أصحابنا رضوان الله عليهم استدلّوا بمقبولة عمر ابن حنظلة (١) على جواز عمل المجتهد المطلق بظنّه والتّحاكم إليه ، حيث قال عليهالسلام فيها : «انظروا الى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإنّي قد جعلته عليكم حاكما» ، الحديث.
فنقول أوّلا : إنّ ظاهر الرّوايتين هو العلم والخطاب الشّفاهيّ ، وإن كان مخصوصا بالحاضرين لكنّ الغائبين مشتركون معهم في أصل التكليف ، فإذا لم يكن للغائبين الرّجوع الى العالم بالأحكام بالعلم الحقيقي ، فيكتفى بالظّانّ من جهة استفراغ الوسع في الأدلّة المعهودة ، فكما أنّ الظانّ بجميع الأحكام من جهة استفراغ وسعه في جميع أدلّتها يقوم مقام العالم بها كما في مقبولة عمر بن حنظلة ، فكذلك الظانّ ببعض الأحكام من جهة استفراغ وسعه في أدلّة ذلك البعض يقوم مقام العالم بذلك البعض المذكور في رواية أبي خديجة.
فإن قلت : ذلك الظنّ ثبت حجّيته بالإجماع فيقوم مقام العلم بخلاف هذا.
قلت : هذا خروج عن الاستدلال بالرّواية ورجوع الى أصالة حرمة العمل بالظنّ ، وقد مرّ الكلام فيه ، وكلامنا هنا في الاستدلال بالرّواية.
__________________
(١) «تهذيب الأحكام» : ٦ / ٢٤٤ كتاب القضايا والأحكام باب ١ ح ٦.