الواقع ، فكيف يعارض به الظنّ الحاصل من الإجماع المنقول على عدم جواز العمل بتقليد الميّت كما مرّ نظيره.
فحاصل التّحقيق في المسألة ، أنّ المقلّد أيضا كالمجتهد ، بناؤه على العمل بالظنّ لا محض التعبّد في تقليد المجتهد وما يتوهّم أنّ المقلّد لا يتفطّن غالبا لأنّ عمله على قول المجتهد من جهة أنّه مظنون أنّه حكم الله تعالى ، بل إنّما يعمل لأنّه يحسب إجمالا أنّ العمل بما يقوله حكم الله تعالى في حقّه ، لا أنّ الأحكام الخاصّة كلّ واحد واحد منها بالخصوص مظنون له أنّه حكم الله تعالى ، فهو فاسد إذ الدّاعي على المتابعة هو الإتيان بما أراد الله تعالى منه في كلّ واقعة ، وقد شبّ على هذا المعنى من الفطام الى أن شاب فيه ، فإنّ الطّفل في أوّل الإدراك يجزم بأنّ ما علّمه أمّه وأبوه هو نفس حكم الله تعالى في الواقع فضلا عن حصول الظنّ به ، وكذلك يترقّى على هذا الحال ويبدّل معلّمه بمعلّم آخر أعلم من الأوّل ، الى أن يصل الى حدّ تقليد المجتهد ، فلو لم ندّع أنّه جازم بأنّه حكم الله تعالى ، فلا نصغي الى قولك : فإنّه غير ظانّ ، فإذا آل الأمر الى العمل بالظنّ فكلّ ما حصل له الظنّ بعد سدّ باب العلم فهو تكليفه سواء كان ذلك بتقليد الحيّ أو الميّت ، وسواء انحصر ظنّه في شخص أو اختار أحد الظّنون المتساوية لعدم المرجّح.
ثمّ إنّ العمل بكتب الموتى ليس عين تقليد الميّت ، فإنّه في الغالب اجتهاد في فهم مرادهم ، وهو في غاية الصّعوبة ، إن لم يبلغ رتبة الاجتهاد ، ولذلك فصّل بعض علمائنا وهو الشيخ ركن الدّين محمّد بن عليّ الجرجاني في «شرح المبادئ» على ما نقل عنه قال : والأشبه أن يقال : إنّ المستفتي إن وجد المجتهد لم يجز له الاستفتاء من الحاكي سواء كان عن حيّ أو ميّت لأنّه مكلّف بالأخذ بأقوى الظّنّين ، فيتعيّن عليه كالمجتهد فإنّه يجب عليه العمل بأقوى الدّليلين ، فإن لم يجد ،