جواز العمل بالظّن للمجتهد في الكلّ وهو في غيره متأمّل.
وذلك لا يوجب تعيين العمل على الأوّل وحكمه بحرمة غيره ، والأصل ينفي تعيين الوجوب ، والذي ثبت اشتغال الذّمة هو وجوب أن لا يترك مقتضى كليهما معا ، لا وجوب أحدهما المعيّن عند الله تعالى المبهم عنده مع عدم العلم بتعيينه كما أشرنا في مباحث الأصل والاستصحاب ، فراجع ، وتأمّل ، ثمّ نتنزّل هكذا الى أن يصل الى الطّفل في أوّل البلوغ.
وممّا ذكر ، يظهر أنّه يجوز أن يبقى ظنّ المتجزّي بحاله مع مخالفة المجتهد المطلق أيضا.
ثمّ اعلم أنّ مراتب الظّنون المذكورة مختلفة في أنّ صاحبها قد يتفطّن لكونه ظنّا وقد لا يتفطّن ويحسبه علما بحسب الاطمئنان الحاصل له ، وذلك لا ينافي كونه ظنّا إذ ليس كلّ أحد واجد لشيء عالما بذلك الشّيء ، بل قد نعلم شيئا ولا نعلم أنّا نعلمه فلا ينافي ما ذكرنا عدم تفرقة الطّفل في أوّل البلوغ مثلا بين الظنّ والعلم.
واعلم أيضا ، أنّ لكلّ مرتبة من تلك المراتب مدركا هو دليل الحكم ودليلا على جواز العمل به ، كما هو
الشّأن في القطعيّات أيضا ، فمدرك الطّفل في تكاليفه هو قول أبيه أو أمّه أو معلّمه ، ودليله على حجّية ذلك عليه هو ما استحسنه من أنّه أكبر منه ، وأقرب الى الشّرع وأسنّ منه ، فلا بدّ أن يكون مطّلعا بحال الشّرع ، وهكذا دليل من ترقّى عن هذه المرتبة بالنّسبة الى معلّمه الأوّل ، وهكذا الى أن يحصل له قوّة الاستنباط ، فمدركه حينئذ هو أدلّة الفقه ، ودليله على الحجّية هو كبراه الكليّة الثّابتة بالدّليل ، مثل الإجماع ولزوم التكليف بما لا يطاق ، وسدّ باب العلم عليه إلّا من هذه الجهة ، ولا فرق في أنّ الدّليل على حجّية الاستنباط من المدرك ، وأنّه يجوز له الاستنباط ممّا لا بدّ منه بين المجتهد وغيره ، والمتجزّي وغيره.