ويظهر من الشيخ رحمهالله أنّ الاستدلال واجب على حدة ، فيلزمه الاكتفاء في أصل الإيمان بالتّقليد ، يعني أنّ الإيمان يتحقّق بالتقليد وإن كان تارك الاستدلال فاعلا للحرام ، وعلى هذا فنقول : قد بيّنّا أنّ للإسلام والإيمان معنيين :
أحدهما : ما يعامل به معاملة المسلمين ، وهو ما ظهر في اللّسان.
وثانيهما : ما ينفع في الآخرة ، وهو الإيمان القلبيّ.
فإن كان مراد الشيخ رحمهالله بالعفو عن هذا الإثم أنّه لا مؤاخذة في تركه في الآخرة ، فيلزم منه أن لا يتوقّف الإيمان الحقيقيّ النّافع في الآخرة على الاستدلال.
وإن كان مراده أنّه لا يضرّ ترك الاستدلال بالإيمان الظّاهرىّ ، ولا يضرّ بالعدالة وإن كان معاقبا في الآخرة غير منتفع بإيمانه فيها ، فيرد عليه أمران.
الأوّل : أنّ موضوع المسألة هو الإيمان الواقعيّ ، فيحصل الخلط في المبحث.
والثاني : أنّ المعتبر في العدالة هو الإيمان الحقيقيّ إلّا أن يكتفى فيها بظاهر الإسلام أو بحسن الظّاهر.
ويمكن أن يقال في تحقيق المقام على ما ذهب إليه الشيخ وتوجيه مقصوده : إنّ وجوب الاجتهاد والنّظر له حيثيّتان ، من إحداهما يقصد حصول اليقين والخروج عن الشّك والظنّ ، ومن الأخرى الوصول الى ما هو الحقّ ، فإنّهم لمّا بنوا أمرهم على وجوب العلم في أصول العقائد في كلّ زمان الى أن آل الأمر الى دين الإسلام ، وصار العلم فيه مطلوبا والأمر بالعلم لا يمكن إلّا مع الإمكان ، فخطاب العامّة بالعلم يستلزم عدم انفكاكه عن النّظر والاجتهاد ، للزوم تكليف ما لا يطاق ، فوجوب النّظر والاجتهاد إنّما هو ليتوصّل الى الإسلام ، ويتحرّز عن سائر الأديان لتأخّر الأمر بالعلم به عن سائر الأديان ، فهذا الوجوب للتوصّل الى ما هو الحقّ من الأديان.