ظنّ إلّا ما ثبت حجّيته ، وإن كان ذلك كلام في هذا البرهان القطعيّ الذي تداوله المجتهدون في كتبهم في الأعصار والأمصار ، فهو يحتاج الى بسط كثير وتطويل غفير ، وقد شرحنا ذلك وأوضحنا [ه] في مبحث حجّية أخبار الآحاد ، وبيّنّا أنّ الأصل حجّية جميع ظنون المجتهد وأنّ الأصل في ظنّه الحجّية ، إلّا ما أخرجه الدّليل ، وبيّنّا وجه الاستثناء من الدّليل القطعيّ مع أنّ التخصيص من شأن الأدلّة الظنيّة ، وإن شئت فراجعه.
ومن قبيل البرهان المذكور براهينهم الأخر التي أقاموها على حجّية ظنّ المجتهد من لزوم ترجيح المرجوح لولاها ، ومن وجوب الاحتراز عن الضّرر المظنون ، ونحو ذلك ، فإنّ كلّ ذلك أدلّة على حجّية ظنّ المجتهد من حيث إنّه ظنّه ، لا من حيث إنّه ظنّ خاصّ من دليل خاصّ.
وتداول هذه الطريقة وتضافر كلماتهم بذلك من أجلى الشّواهد على بطلان دعوى أنّ مقتضى الإجماع المدّعى حجّية ظواهر آيات التحريم مطلقا ، إذ لو سلّمنا ذلك الإجماع في الجملة ، فكلماتهم هذه تنادي بأنّها مخصّصة بغير آيات تحريم الظنّ ، فتصير دعوى الإجماع مخصّصة ، يعني أنّ الإجماع وقع على حجّية ظواهر الكتاب إلّا ظاهر آيات التحريم في زمان انسداد باب العلم.
فكنّا في أوّل المسألة نكتفي منك بأن لا تردّ قولنا بمنع تحقّق الإجماع في حجّية عموم الظّواهر بحيث يشمل آيات التحريم مطلقا وإن اتكلنا (١) الى ما اكتفينا به من أنّ تلك الآيات ظنون وظواهر لا قاطع عليها ، والآن يوشك أن ندّعي الإجماع على أنّ تلك الظّواهر ليست بحجّة بتمامها ، لما عرفت من أنّ جماهير
__________________
(١) في نسخة الأصل (تكلنا).