والحاصل ، أنّ دعوى الإجماع على حجّية ظواهر الكتاب حتّى في آيات تحريم العمل بالظنّ ، ثمّ بعد ذلك دعوى ظهور آيات التحريم في كلّ ظنّ لم يقم على حجّيته قاطع حتّى في أمثال زماننا التي انسدّ باب العلم فيها غالبا.
ودعوى اندراج كلّ هذه الظّنون تحت القاعدة المدّعى عليها الإجماع ، في غاية الغرابة.
ومن الغرائب أنّ الجماعة المتمسّكين في أصالة حرمة الظنّ مطلقا حتّى في أمثال زماننا بهذا الآيات ، يستدلّون في إثبات حجّية أخبار الآحاد والاستصحاب وغيرهما من الأدلّة الظنيّة بأنّ باب العلم في أمثال زماننا منسدّ ، والتكليف باق بالضّرورة ، فيجوز العمل بالظنّ وإلّا لزم تكليف ما لا يطاق.
وفيه : ما لا يخفى ، إذ الاستدلال بهذا الدّليل يقتضي حجّية الظنّ مطلقا إلّا ظنّا قام القاطع على عدم حجّيته. ولا يصحّ أن يقال : مرادهم بهذا الاستدلال جواز العمل بالظنّ المعلوم الحجّية إذ الظنّ المعلوم الحجّية لا يحتاج الى استدلال في العمل إليه [عليه] وعلى قول الخصم من أنّ الظنّ المعلوم الحجّية علم وليس بظنّ ، كما مرّ ، فالأمر أظهر.
فحينئذ تتوجّه المعارضة بأنّ هذا الدّليل العقليّ القاطع في أمثال زماننا ، يفيد جواز العمل بالظنّ مطلقا إلّا ظنّا قام القاطع على بطلانه ، بل لا حاجة الى استثنائه ، لأنّه ليس بظنّ ، بل هو مقطوع بعدمه بحرمة العمل به قطعا.
فالحاصل ، أنّ الآيات إن سلّمنا وجوب العمل على عمومها مع إخراج الظنّ المعلوم الحجّية ، فيجب العمل على هذا الدّليل أيضا مع إخراج الظنّ المعلوم عدم حجّيته ، فارتفع بهذا الدّليل القطعيّ العقليّ الظّهور الذي ادّعيت من الآيات ، فصار المحصّل أنّ كلّ ظنّ لم يثبت بطلانه فهو حجّة ، وبطل القول بأنّ الأصل حرمة كلّ