فإنّا لم نسمع من أحد اشتراط الرّوايتين في شيء واحد ، وإنّما سمعنا اعتبار الشّاهدين.
فالمحصّل من جميع ما ذكرنا أنّ الاعتبار في التزكية إنّما هو بالظنّ الاجتهاديّ ، وهذا الظنّ لم يحصل من الكتاب ولا من السنّة ، إذ قد عرفت إخراجه من لفظ النبأ في الأغلب.
نعم يمكن استنباط حكمه من العلّة المستفادة من آية النّبإ ، وقد بيّنّا أنّه يثبت مقصودنا ، فهو لنا لا علينا.
ثمّ استمع لما يتلى عليك ممّا وعدناك سابقا من ذكر بعض كلمات الفقهاء الدالّة على كون مطلق الظنّ للمجتهد حجّة.
فمنها : ما تداول بينهم من ترجيح الظّاهر على الأصل ، وترجيح أحد الأصلين بسبب اعتضاده بالظّاهر ، والعمل على الظّاهر من حيث هو ظاهر في كلماتهم في الجملة إجماعيّ.
ولنذكر بعض كلماتهم في هذا الباب ، وعليك بملاحظة الباقي.
قال الشهيد الثاني رحمهالله في «تمهيد القواعد» في خاتمة باب التّعارض : إذا تعارض الأصل والظّاهر ، فإن كان الظّاهر حجّة يجب قبولها شرعا كالشّهادة والرّواية والإخبار ، فهو مقدّم على الأصل بغير إشكال ، وإن لم يكن كذلك ، بل كان مستنده العرف أو العادة الغالبة أو القرائن أو غلبة الظنّ ونحو ذلك ، فتارة يعمل بالأصل ولا يلتفت الى الظّاهر ، وهو الأغلب ، وتارة يعمل بالظّاهر ولا يلتفت الى هذا الأصل ، وتارة يخرج في المسألة خلاف.
فهاهنا أقسام :
الأوّل : ما ترك العمل بالأصل للحجّة الشرعيّة ، وهو قول من يجب العمل بقوله ،