أمّا أنّ ذلك لأجل حصول الظنّ الاجتهاديّ لا لأجل كونه خبرا ، فلأنّ المتبادر من الخبر والنّبأ في الآية هو ما يخبر عن الواقع بعنوان الجزم ، والتزكية غالبا مبنيّة على الاجتهاد والظنّ فهو من قبيل الفتوى ، وحجّية الفتوى إنّما هو للإجماع أو لآية النّفر أو لغيرهما من الأخبار ، لا لأنّه خبر واحد.
وهذه الأدلّة مفقودة في التزكية كما لا يخفى ، فهو من باب العمل بقول الطبيب وأهل الخبرة ، غاية الأمر اتّصافها بكونها نبأ تبعا ، وبالعرض من جهة الإخبار عن موافقة ما يقوله لنفس الأمر بظنّه وبحسب معتقده ، وهذا لا يجدي في حجّيتها من حيث إنّها نبأ ، فإنّ المناط في الحجّية هاهنا أيضا هو الظنّ ، وهذا إخبار عمّا يوجبه ، وحجّية قول الطبيب وأهل الخبرة لأجل كونهما موجبا للظنّ ، وتردّد الفقهاء اختلافهم في الاكتفاء بالواحد والاثنين فيهما متفرّعا على كونهما خبرا أو شهادة لا وجه له ، فإنّهما ليسا بداخلين في أحدهما ظاهرا ، فيكفي العدل الواحد ، بل من يحصل به الوثوق وإن كان كافرا.
وأمّا أنّه ليس بشهادة ، فلابتنائها غالبا على العلم واعتبار التعدّد فيها. فالقول بأنّها شهادة ولم يعتبر فيها العدد هنا يحتاج الى دليل ، كما أنّ من فصّل واكتفى هنا بالواحد دون الشّاهد تمسّك بالإجماع.
والحاصل ، أنّ من يقول بأنّ التّزكية شهادة ، فلا بدّ أن يكون اكتفاؤه بالشّاهد الواحد لأجل كفاية الظنّ ، لا لأنّه شهادة ، واعتباره التعدّد في تزكية الشّاهد لعدم اعتبار الظنّ هنا ولزوم العلم أو ما يقوم مقامه.
ومن يقول بأنّها رواية ، لا بدّ أن يقول بتخصيص حجّية خبر الواحد ، ويشترط تعدّد الخبر فيما لو كان الإخبار في تزكية الشّاهد ، فيعتبر الرّوايتين لا الشّاهدين ، مع هذا [وهذا مع] ورود المنع عليه بكونها نبأ وخبرا غير مأنوس بمحاوراتهم ،