ذلك المفعول المطلق ، أو يقع المفعول المطلق مضمون جملة لها احتمال غير ذلك المفعول المطلق.
فمثال الأول : له عليّ ألف درهم اعترافا ، فله عليّ ألف درهم جملة لا احتمال لها غير الاعتراف ويسمّى هذا القسم توكيدا لنفسه ، لأنّه يؤكّد مضمون الجملة الذي / هو عين الاعتراف (١) ومثال الثاني : زيد قائم حقّا ، فحقّا وقع مضمون زيد قائم ، وهو يحتمل أن يكون حقا وغير حقّ ، فحقّا أكّد أحد احتماليه ، ويسمّى هذا القسم توكيدا لغيره ، وحقّا منصوب بفعل مضمر ، والتقدير أحقّ ذلك حقّا ، قال الزجاج : (٢) ولا يجوز تقديم حقّا ، كقولك : حقّا زيد قائم ، قال فإن وسّطته فقلت : زيد حقّا قائم ، جاز وذلك لأنّك لما ذكرت الكلام الذي يجوز أن تكون فيه شاكّا ، وأن تكون متيقنا ، جاز لك حينئذ أن تضمر اللّفظ الدّال على أحد الأمرين وهو أحقّ حقّا (٣) ولم يذكر سيبويه امتناع تقديمه (٤) ومن التأكيد لغيره قولهم : قد فعل ذلك البتّة ، قال سيبويه (٥) ولا يستعمل إلّا بالألف واللام ، وهو من بتّ كذا يبتّه إذا قطعه.
ومنها : أن يقع المفعول المطلق مثنّى للتكثير ، ومن أحكامه أنّه لا يستعمل إلّا مضافا غالبا نحو : لبّيك وسعديك ودواليك وهذاذيك إذا كانت التثنية لغرض تأكيد الكثرة لا لقصد التثنية المحقّقة (٦) ، أمّا لو قصدت التثنية من غير نظر إلى الكثرة نحو قوله تعالى : (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ)(٧) لم يجب حذف الفعل ، ومما جاء مثنّى قولهم : حذ اريك أي احذر حذرا بعد حذر ، وحواليك ، ومعناه الإحاطة من جميع الجهات وقد
__________________
(١) ولذا يسميه النحويون توكيدا لنفسه ، شرح الكافية ، لابن الحاجب ١ / ١٨٩.
(٢) هو أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل ، كان من أكابر أهل العربية ، حسن العقيدة ، جميل الطريقة صنّف مصنفات كثيرة منها : كتاب المعاني في القرآن وكتاب الفرق بين المؤنث والمذكر وغير ذلك ، توفي ٣١١ ه. انظر ترجمته في الفهرست ، ٩٠ ونزهة الألباء ، ٢٤٤ وإنباه الرواة ، ١ / ١٥٩ وبغية الوعاة ، ١ / ٤١١ والأعلام ، ١ / ٣٣.
(٣) انظر رأي الزجاج في شرح المفصل ، ١ / ١١٦ ، وشرح الكافية ، ١ / ١٢٥.
(٤) وقد أشار إلى جواز ذلك سيبويه بقوله : أجدّك لا تفعل كذا وكذا ، كأنه قال : أحقّا لا تفعل كذا وكذا.
الكتاب ، ١ / ٣٧٩ وشرح المفصل ، ١ / ١١٦.
(٥) الكتاب ، ١ / ٣٧٩.
(٦) شرح الوافية ، ١٨٩ وانظر شرح المفصل ، ١ / ١٨.
(٧) من الآية ٤ من سورة الملك ، وفي الأصل فارجع.