كقولك : ضربت أنت نفسك ، فالضمير المرفوع المتصل المؤكّد هو التاء في ضربت ، والمنفصل المطابق للمؤكّد هو أنت ، وكذلك المضمر المتكلّم ضربت أنا نفسي وبابه ، والمضمر الغائب نحو ضرب هو نفسه وجاءا هما أنفسهما ، وجاؤوا هم أنفسهم وبابه ، وإنّما وجب تأكيده بمنفصل لكون المرفوع المتصل كالجزء ، فكرهوا أن يؤكّدوا ما هو كجزء الكلمة بالمستقل فأتوا بالضمير المنفصل ليجري المستقلّ على المستقلّ وما سوى المرفوع المتصل وهو المنصوب المتصل والمجرور المتصل ، والمرفوع غير المتصل يؤكّد بغير شريطة (١) كقولك : ضربتك نفسك ومررت بك نفسك ، وأنت / نفسك فعلت ، وغير النفس والعين يؤكّد به من غير شريطة كقولك : جاؤوا كلّهم وخرجوا أجمعون إلى آخرها ، واختصّ النفس والعين بذلك لكونهما يستعملان مستقلّين دون غيرهما وألفاظ التأكيد المعنويّ كلّها معارف ، لأنّها توكيد للمعرفة ، وتعريفها من قبيل تعريف علم الجنس ، ولمّا كانت ألفاظ التوكيد معارف ، لم يجوّز البصريون أن تؤكّد غير المعرفة (٢) لئلّا يؤدي إلى الجمع بين متنافيين ، لأنّ مدلول النكرة غير معيّن ، ومدلول المعرفة معيّن ، والكوفيون أجازوا تأكيد النكرة بشرط أن تكون محدودة (٣) قالوا : لأنّها حينئذ تشابه المعرفة من حيث إنّها معلومة ممتازة ، واستشهدوا بقول الشاعر : (٤)
قد صرّت البكرة يوما أجمعا
فأكّد يوما وهو نكرة بأجمع ، والبصريون يؤولون ذلك وشبهه لخروجه عن القياس واستعمال الفصحاء (٥).
__________________
(١) الكتاب ، ١ / ٢٧٨ وشرح المفصل ، ٣ / ٤٢ وشرح الوافية ، ٢٦٧.
(٢) الإنصاف ، ٢ / ٤٥١ وشرح ابن عقيل ٢ / ٢١١ وهمع الهوامع ، ٢ / ١٢٤ ـ ٢٦٧.
(٣) مثل يوم وليلة وشهر وانظر شرح الوافية ، ٢٦٧.
(٤) الرجز لم يعرف قائله ورد في الإنصاف ، ٢ / ٤٥٤ وأسرار العربية ، ٢٩١ وشرح المفصل ، ٣ / ٤٥ والمقرب ، ١ / ٢٤٠ وشرح الكافية ، ١ / ٤٣ ـ ٣٣٥ وشرح ابن عقيل ، ٣ / ٢١١ وشرح الشواهد ، ٣ / ٧٨ وهمع الهوامع ، ٢ / ١٢٤ وشرح الأشموني ، ٣ / ٧٨ وخزانة الأدب ، ١ / ١٨١ صرّت : صوّتت ، والبكرة ، للبئر.
(٥) قالوا إن البيت مجهول ـ وهو شاذ قليل في بابه وإنّ الرواية الصحيحة يوما أجمع بلا تنوين أراد يومي أجمع ، فالألف بدل من ياء الإضافة ، وقيل هو بدل أو نعت. الإنصاف ، ٢ / ٤٥٦ والهمع ، ٢ / ١٢٤.