المتكلم قد يعدل عن تعدية الفعل بالهمزة إلى تعديته بالتضعيف لقصد الدلالة على التكثير لأن المضاعف قد عرف بتلك الدلالة في حالة كونه فعلا لازما فمقارنته تلك الدلالة عند استعماله للتعدية مقارنة تبعية ، ولذلك قال العلامة الزمخشري في خطبة «الكشاف» «الحمد لله الذي أنزل القرآن كلاما مؤلفا منظما ، ونزّله على حسب المصالح منجما» فقال المحققون من شراحه : جمع بين أنزل ونزل لما في نزل من الدلالة على التكثير ، الذي يناسب ما أراده العلّامة من التدريج والتنجيم.
وأنا أرى أن استفادة معنى التكثير في حال استعمال التضعيف للتعدية أمر من مستتبعات الكلام حاصل من قرينة عدول المتكلم البليغ عن المهموز الذي هو خفيف إلى المضعف الذي هو ثقيل ، فذلك العدول قرينة على المراد وكذلك الجمع بينهما في مثل كلام «الكشاف» قرينة على إرادة التكثير.
وعزا شهاب الدين القرافي في أول «أنواء البروق» إلى بعض مشايخه أن العرب فرقوا بين فرق بالتخفيف وفرّق بالتشديد ، فجعلوا الأول للمعاني والثاني للأجسام بناء على أن كثرة الحروف تقتضي زيادة المعنى أو قوته ، والمعاني لطيفة يناسبها المخفف ، والأجسام كثيفة يناسبها التشديد ، واستشكله هو بعدم اطراده ، وهو ليس من التحرير بالمحل اللائق ، بل هو أشبه باللطائف منه بالحقائق ، إذ لم يراع العرب في هذا الاستعمال معقولا ولا محسوسا وإنما راعوا الكثرة الحقيقية أو المجازية كما قررنا ، ودل عليه استعمال القرآن ، ألا ترى أن الاستعمالين ثابتان في الموضع الواحد ، كقوله تعالى : (وَقُرْآناً فَرَقْناهُ) [الإسراء : ١٠٦] قرئ بالتشديد والتخفيف ، وقال تعالى حكاية لقول المؤمنين : (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة : ٢٨٥] وقال لبيد :
فمضى وقدّمها وكانت عادة |
|
منه إذا هي عرّدت إقدامها |
فجاء بفعل قدّم وبمصدر أقدم ، وقال سيبويه : «إن فعّل وأفعل يتعاقبان» على أن التفرقة عند مثبتها ، تفرقة في معنى الفعل لا في حالة مفعوله بالأجسام.
والتفسير في الاصطلاح نقول : هو اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسع. والمناسبة بين المعنى الأصلي والمعنى المنقول إليه لا يحتاج إلى تطويل.
وموضوع التفسير : ألفاظ القرآن من حيث البحث عن معانيه وما يستنبط منه ، وبهذه