مباحث التفسير منزلة المسائل ، إلا أن وجه التنزيل في الأول راجع إلى ما يتفرع عنها ، وهنا راجع إلى ذاتها مع أن التنزيل في الوجه الأول في جميع الشروط الثلاثة وهنا في شرطين ، لأن كونها قضايا إنما يجىء على مذهب بعض المنطقيين.
الرابع أن نقول : إن علم التفسير لا يخلو من قواعد كلية في أثنائه مثل تقرير قواعد النسخ عند تفسير (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ) [البقرة : ١٠٦] وتقرير قواعد التأويل عند تقرير (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ) [آل عمران : ٧] وقواعد المحكم عند تقرير (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) [آل عمران : ٧] ، فسمى مجموع ذلك وما معه علما تغليبا ، وقد اعتنى العلماء بإحصاء كليات تتعلق بالقرآن ، وجمعها ابن فارس ، وذكرها عنه في «الإتقان» وعني بها أبو البقاء الكفوي في «كلياته» ، فلا بدع أن تزاد تلك في وجوه شبه مسائل التفسير بالقواعد الكلية.
الخامس : أن حق التفسير أن يشتمل على بيان أصول التشريع وكلياته فكان بذلك حقيقا بأن يسمى علما ولكن المفسرين ابتدءوا بتقصي معاني القرآن فطفحت عليهم وحسرت دون كثرتها قواهم ، فانصرفوا عن الاشتغال بانتزاع كليات التشريع إلا في مواضع قليلة.
السادس ـ وهو الفصل ـ : أن التفسير كان أول ما اشتغل به علماء الإسلام قبل الاشتغال بتدوين بقية العلوم ، وفيه كثرت مناظراتهم وكان يحصل من مزاولته والدربة فيه لصاحبه ملكة يدرك بها أساليب القرآن ودقائق نظمه ، فكان بذلك مفيدا علوما كلية لها مزيد اختصاص بالقرآن المجيد ، فمن أجل ذلك سمي علما.
ويظهر أن هذا العلم إن أخذ من حيث إنه بيان وتفسير لمراد الله من كلامه كان معدودا من أصول العلوم الشرعية وهي التي ذكرها الغزالي في الضرب الأول من العلوم الشرعية المحمودة من كتاب «الإحياء» ، لأنه عد أولها الكتاب والسنة ، ولا شك أنه لا يعني بعلم الكتاب حفظ ألفاظه بل فهم معانيها وبذلك صح أن يعد رأس العلوم الإسلامية كما وصفه البيضاوي بذلك ، وإن أخذ من حيث ما فيه من بيان مكي ومدني ، وناسخ ومنسوخ ، ومن قواعد الاستنباط التي تذكر أيضا في علم أصول الفقه من عموم وخصوص وغيرهما كان معدودا في متممات العلوم الشرعية المذكورة في الضرب الرابع من كلام الغزالي (١) ، وبذلك الاعتبار عد فيها إذ قال : «الضرب الرابع المتممات وذلك في علم
__________________
(١) حيث قسم العلوم إلى شرعية وغيرها ، وقسم الشرعية إلى محمودة ومذمومة ، وقسم المحمودة منها