والقرآن العظيم الذي أوتيته» ووجه تسميتها بذلك أنها سبع آيات باتفاق القراء والمفسرين ولم يشذ عن ذلك إلا الحسن البصري فقال : هي ثمان آيات ، وإلا الحسين (١) الجعفي فقال : هي ست آيات ، وقال بعض الناس : تسع آيات ويتعين حينئذ كون البسملة ليست من الفاتحة لتكون سبع آيات ومن عدّ البسملة أدمج آيتين.
وأما وصفها بالمثاني فهو مفاعل جمع مثنّى بضم الميم وتشديد النون ، أو مثنى مخفف مثنّى ، أو مثنى بفتح الميم مخفف مثنى كمعنى مخفف معني ويجوز تأنيث الجميع كما نبه عليه السيد الجرجاني في «شرح الكشاف» وكل ذلك مشتق من التثنية وهي بضم ثان إلى أول.
ووجه الوصف به أن تلك الآيات تثنى في كل ركعة كذا في «الكشاف». قيل : وهو مأثور عن عمر بن الخطاب ، وهو مستقيم لأن معناه أنها تضم إليها السورة في كل ركعة ، ولعل التسمية بذلك كانت في أول فرض الصلاة فإن الصلوات فرضت ركعتين ثم أقرّت صلاة السفر وأطيلت صلاة الحضر كذا ثبت في حديث عائشة في «الصحيح» وقيل : العكس.
وقيل : لأنها تثنى في الصلاة أي تكرر فتكون التثنية بمعنى التكرير بناء على ما شاع عند العرب من استعمال المثنى في مطلق المكرر نحو (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) [الملك : ٤] وقولهم لبيك وسعديك ، وعليه فيكون المراد بالمثاني هنا مثل المراد بالمثاني في قوله تعالى : (كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) [الزمر : ٢٣] أي مكرر القصص والأغراض ، وقيل : سميت المثاني لأنها ثنيت في النزول فنزلت بمكة ثم نزلت في المدينة وهذا قول بعيد جدا وتكرّر النزول لا يعتبر قائله ، وقد اتّفق على أنها مكية فأي معنى لإعادة نزولها بالمدينة.
وهذه السورة وضعت في أول السّور لأنها تنزل منها منزل ديباجة الخطبة أو الكتاب ، مع ما تضمنته من أصول مقاصد القرآن كما علمت آنفا وذلك شأن الديباجة من
__________________
عن أبي سعيد بن المعلى قال : «كنت أصلي في المسجد فدعاني رسول الله فلم أجبه فقلت يا رسول الله إني كنت أصلي فقال ألم يقل الله (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ) [الأنفال : ٢٤] ثم قال ألا أعلمك سورة هي أعظم السور في القرآن قبل أن تخرج من المسجد ، ثم أخذ بيدي فلما أراد أن يخرج قلت له ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن فقال الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» إلخ.
(١) ستأتي ترجمته قريبا.